يصنع إعلام النظام السوري، بفرعه الموازي ضمن الصحافة اللبنانية، خطاً إيرانياً غير مباشر لتمرير المعلومات التي تحمل طابعاً بشأن تفاهمات دولية، تعيد تعويم هذا النظام وتقدمه على مائدة المفاوضات الفاعلة في الظل، طرفا يحرك اقتصاد الداخل السوري، في المناطق الواقعة تحت هيمنة حلفائه. ومن هنا، تمرر مكاتب دمشق الأمنية تقارير عبر زمرة من المستكتبين تحت مسميات الاتصال كـ"مستوى رفيع" بحضور ممثلين عن النظام من جهة، والاتحاد الأوروبي من الجهة المقابلة.
يقول الخبر إن "أبواباً تطرق" حسب صحيفة لبنانية، من أجل تخفيف العقوبات الاقتصادية عن النظام السوري، وثمّة رجل مطلوب دولياً بتهم إرهابية سيكون مرسال الوساطة المقترح من الأسد، لإعادة تنشيط العلاقات بين النظام والأوروبيين عبر إيطاليا، لكن الأخيرة ترفض التواصل المباشر مع النظام، وترى أن يكون خيار وجود شخصية لبنانية معروفة بولائها لإيران، حسب تلميحات الصحيفة، هو "مركز التواصل الأساسي". ثم يسرد التسريب المزعوم، كيف أعاد الأوروبيون حساباتهم بعد التطورات الميدانية أخيرا لصالح حلفاء النظام في سورية (...) بغية مناقشة ملفات اللاجئين ومكافحة الإرهاب، ولكن النظام أصرّ على أن يكون فك الحصار الاقتصادي عليه، من أولويات النقاش (...). ثم يذهب كلام الصحيفة إلى تسلسل 
"إيران تعبث باستقرار لبنان وتهدّده، ثم تستخدم إعلامه المسنود بمليشيات طائفية لتمرّر رسائلها إلى اللاعبين في الملف السوري" درامي، لا يخلو من التشويق المزعوم الذي اعتاد عليه إعلام مليشيات حزب الله، ليحدثنا عن تحرك شخصية أمنية لبنانية، متمثلاً بـ "خرق" لفرض شروط النظام بالتواصل مع الأوروبيين. وتباعاً، نكتشف أن "روما أرسلت طائرة لنقل المسؤول الأمني من دمشق إليها، ليلتقي مدير المخابرات الإيطالي". وتختم هذه المزاعم معلوماتها بجمل "متفائلة" عن تمسك الأوروبيين بالانفتاح الخجول على الأسد، بمن فيهم فرنسا وبريطانيا (!)، ولم يكن ينقصها إلا أن تعتبر طهران مفتاح الحل بوصفها "طرفا ثالثا وصديقا للسوريين". وتمرّر الصحيفة كلاماً له دلالات استخباراتية إضافية بشأن اهتمام "باريس بلوائح الإرهابيين الفرنسيين الموجودين لدى الأمن السوري، وموقوفين فرنسيين في السجون السورية"، بحسب مصادرها في أجهزة نظام الأسد الأمنية!
لقد وجدت إيران من استثمار الحملة النارية التي تدعمها روسيا على محاور القتال بين النظام وفصائل المعارضة فرصة للعب في ميدان التفاوض الدولي على دور تعبر من خلاله إلى الداخل الاقتصادي في بنية النظام السوري، إعلامياً وسياسياً، من جهة، وتحسن مظهرها باعتبارها صاحبة دعوة لعودة ماء الأسد إلى مجاري أوروبا التي أغرقها باللاجئين والمتطرّفين المتدربين في معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سورية، من جهة أخرى.
كما اصطادت إيران، في منابرها اللبنانية، تسريباً جديداً يعكس اطلاعها الجوهري على تحركات البيت الداخلي للنظام في سورية، ولو كان هذا التسريب ملغوماً ومستغرب التوقيت، فهو خطوة إيرانية لإعادة مَحورة صحافة حزب الله في لبنان إلى سوق الأخبار السورية التي تنشر عبرها ما يريد النظام توجيهه للرأي العام العربي.
يراقب الجميع مواقف الأمم المتحدة والوقفات التضامنية ضد شراسة القصف الجنوني على الغوطة الشرقية، من دون أي تأثير، ولسان حال طرح البديل عن العنف المُفرط يقول: روسيا تشرعن بقاء النظام بالقوة العسكرية، بعد سقوط مبادرات التفاوض الجديّة، وإيران تعبث باستقرار لبنان وتهدّده، ثم تستخدم إعلامه المسنود بمليشيات طائفية لتمرّر رسائلها إلى اللاعبين في الملف السوري.
تعتمد روسيا على التنسيق العسكري مع الدول الفاعلة على الأرض السورية (تركيا والولايات المتحدة)، ولها ثقلها العسكري جوياً وبحرياً وصاروخياً، وثقلها السياسي، أكثر من إيران على 
"خطوة إيرانية لإعادة مَحورة صحافة حزب الله في لبنان إلى سوق الأخبار السورية" ما يبدو، ولكن الوقوف على عتبات إعادة الإعمار أمرٌ لم يحسم بعد، على الرغم من شائعات عقود روسيا المفتوحة مع النظام بشأن الغاز الطبيعي وإعادة الإعمار والتسليح! فالمرجّح أن التحرك باتجاه أوروبا عن طريق إيران ما هو إلا تأكيد لموسكو أن طهران تستطيع طرق أبوابٍ أخرى، وباستخدام شخصياتٍ أمنيةٍ لا تحمل أي اعتبارات للمشروع الإيراني في المنطقة الذي تحرص موسكو على ضبطه من أجل إسرائيل، وتلك الطرقات نحو القارة العجوز، على الرغم من وعورتها وضعف تأثيرها على الأرض، لكنها ستطلق يد التعويض الاقتصادي لإيران من مستنقع المليشيات الشيعية المجندة، والعاملة على تثبيت نقاط المكاسب الجغرافية والسياسية مع النظام على الأراضي السورية. وبالتالي، يمكن النظر إلى كيف تورّط روسيا إيران بفتح ملف حصار اقتصاد الأسد المعاقب المتهالك، وملف اللاجئين المعقد في أوروبا وتشعبهم حول العالم. وهو تورّط، تعلم موسكو مسبقا أنه سيشغل رجال "ولاية الفقيه" عن مراقبة معارك الداخل السوري والتبدل الاستراتيجي لصالح روسيا وأذرعها من المرتزقة والنظام، على حساب سحق المناطق المعارضة، ولعل الغوطة الشرقية الأقرب للعاصمة دمشق دليل جدي على دموية الحل الروسي أخيراً، وبالتالي ثمّة حروب تسريبات وتغيرات مواقف دولية، تبدأ ملامحها على بعد كيلومترات قليلة من الغوطة، حسب زعم الصحيفة اللبنانية، وبأدوات إيرانية!

 

عمر الشيخ