بعد خمسة أسابيع من القتال، تمكنت القوات التركية وقوات عربية- سورية متحالفة معها، من السيطرة على الحدود التركية مع عفرين، منطقة كردية تقع في شمال غرب سوريا. وقد حققت حملة أنقره البرية تقدماً بطيئاً لكن متواصلاً، ومنعت تدخلاً أجنبياً أو قراراً سياسياً، لوقف هجومها من أجل نزع سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي( YPG) على المنطقة
 

ووفق ما ذكرت مجلة "فورين أفيرز"، فبالنسبة إلى تركيا، يعني الوجود الأميركي في سوريا، استمرار تدريب وتسليح واشنطن لقوات قسد، والأهم منه، دعم مساعي الأكراد لإنشاء كيان مستقل لهم، لكن وفق باحث مقيم لدى مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمجلس الأطلسي آرون ستاين، لا تكتسب عملية "غصن الزيتون" أهمية بالنسبة لأنقره وحسب، بل إن لها تبعات سياسية بالنسبة لأطراف خارجيين مشاركين في الحرب الأهلية السورية.

نقاشات واشنطن

وعند إجراء مناقشات في واشنطن، حول السياسة في سوريا، يتم التركيز على ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على ترجمة مكاسبها الاستراتيجية ضد داعش، إلى تسوية دائمة للسلام تخدم المصالح الأمريكية. ولكن وقائع تظهر أن خصوم واشنطن يحققون مكاسب استراتيجية. كما يظهر الغزو التركي لمنطقة عفرين، أن كبار أطراف تلك الحرب غير مدركين لحقيقة أن أهدافهم لن تتحقق دون تسويات صعبة.

حملة ضيقة

ويلفت كاتب المقال لاعتماد سياسة الولايات المتحدة في سوريا على حملة ضيقة لاقتلاع داعش من شرق سوريا. وقد تطلب ذلك أن تتحالف واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلة جامعة من ميليشيات يهيمن عليها حزب YPG، الفرع السوري لحزب PKK المحظور في تركيا. ومن خلال تلك الحملة، استعدَت واشنطن حليفتها في الناتو، تركيا. وبعد نجاح التحالف بين أمريكا وقسد، هزم داعش في سوريا. وسعت واشنطن لاستغلال ذلك الإنجاز في إجبار الحكومة السورية على تقديم تنازلات في محادثات السلام في جنيف.

تضارب

وبحسب ستاين، حاولت واشنطن مزاوجة حملتها العسكرية بأهداف سياسية قابلة للتحقق، لكنها أشارت لعزمها على البقاء في شمال شرق سوريا في المستقبل المنظور، وإن يكن في ذلك تضارب مع مواقف كل من إيران وتركيا وروسيا والحكومة السورية.

وبالنسبة إلى تركيا، يعني الوجود الأمريكي في سوريا، استمرار تدريب وتسليح واشنطن لقوات قسد، والأهم منه، دعم مساعي الأكراد لإنشاء كيان مستقل لهم – ترى فيه أنقرة تهديداً لأمنها القومي. ومن أجل الضغط على واشنطن، وإضعاف الأكراد، أطلقت أنقرة حملتين هجوميتين في سوريا – عملية درع الفرات في أغسطس (آب) 2016، وعملية غصن الزيتون في يناير(كانون الثاني).

إذن تركي

وبرأي كاتب المقال، في كلا الحملتين، احتاجت تركيا لإذن روسي لتجنب خطر تصعيد غير مقصود مع قوة أكبر.

واختارت روسيا وتركيا العمل مع إيران، أكبر داعم للحكومة السورية، من خلال مبادرتين مترابطتين. وتعرف الأولى باسم عملية أستانة، آلية ديبلوماسية ثلاثية للإشراف على سلسلة من الهدن وما يسمى بمناطق تخفيف التصعيد، والثانية عملية سلام تكميلية انعقدت مؤخراً في سوتشي، بهدف بدء مفاوضات لإنهاء الحرب وكتابة مسودة دستور. وحفلت عملية سوشي بتناقضات ودفعت روسيا لتقديم تنازلات لتركيا حول عدة قضايا. ويساعد فهم ديبلوماسية المساومات التركية – الروسية في توضيح ديناميات التحرك في عفرين.

وفي المجمل، يرى ستاين أن الترتيبات الروسية – التركية تتركز في التعاون في محافظة إدلب، آخر منطقة خفض تصعيد أعلن عنها في أستانة، ما يتطلب من الجيش التركي إرسال قوات إلى 12 موقعاً هناك. ولكن ذلك الانتشار التركي يظل محدوداً وضيقاً، إلا أنه قد يتحول إلى وجود لا نهاية له في غياب اتفاق سلام بين النظام والمعارضة.

وبحسب كاتب المقال، تصطدم موسكو في سعيها للعمل مع أنقره لتحقيق تسوية سلمية، مع مصالح حليفتيها دمشق وطهران.

وفي نهاية مقاله، يقول ستاين بأن إيران وروسيا وسوريا وتركيا سيجدون أنفسهم يتناوبون على العمل سويا حيناً، ويسعون إلى أهداف متضاربة حيناً آخر. وقد يكون من الحكمة أن يعترفوا جميعاً بأن تحقيق كامل أهدافهم قد يكون صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ولا بد لهم من القبول بتسويات.