بعد 3 سنوات على انتظارها، وبعد 8 عمليات تلقيح وعلاجات طويلة للميا حيوك، وُلدت فاطمة أخيراً بعد طول انتظار. لم يكن أحد يتوقع أن ترحل فاطمة بهذه السرعة، لم تصمد أكثر من 3 ايام حتى فارقت الحياة. عدم تأمين "حاضنة" couveuse "لمتابعة حالتها دفع بأهلها إلى البحث عن مستشفى آخر لكن حالتها الصحية كانت متدهورة وأغمضت عينيها بعد 3 أيام من ولادتها. دموع والدتها لميا وصدمة والدها كانتا كفيلتين بإطلاق صرخة يائسة لتأمين السقف المالي لقسم العناية في مستشىفى بنت جبيل الحكومي لإنقاذ باقي الأطفال، فكما تقول والدتها "ماتت فاطمة لكني قررتُ مشاركة قصتي لإنقاذ باقي الأطفال. منذ اسبوع توفي طفلان وهناك طفل آخر معلّق بين الحياة والموت".

تسترجع لميا اللحظات الأخيرة قبل رحيل ابنتها فاطمة، تقول متأثرة: "بعد علاجات طويلة ومعاناة لتحقيق حلم الإنجاب، وأخيراً الله طعمنا طفلة. لم اكن اخاف على طفلتي، كان الخوف على صحتي والخطر على حياتي. من قال إن "فاطمة هي التي ستموت وبهذه الطريقة. ألا نستحق ان يكون لدينا مستشفى مجهز؟ هل على الفقير ان يجول في الشارع بحثاً عن مستشفى آخر وتأمين المال الكافي للاستشفاء؟ 4 سنين ونحن نركض ونتألم ونتعالج حتى نرزق بطفل وأخيراً الله عطاني اياها وهيك راحت من بين ايدي".

وفق لميا "وُلدت فاطمة بصحة جيدة ووزنها 3 كيلوغرامات، لم تكن تعاني شيئاً لكن تعذر تأمين "كوفوز" في مستشفى بنت جبيل الحكومي فاضطررنا الى نقلها الى مسشتفى آخر. وصلت فاطمة الى مسشتفى النجدة الشعبية في النبطية وتمّت متابعتها وتلقي كل العلاجات اللازمة والضرورية لكنها فارقت الحياة برغم كل الجهود المبذولة".


نسبة الأوكسيجين منخفضة 

تبكي لميا بحسرة، ليس سهلاً عليها ان تفقد من انتظرتها سنين لتكون بين يديها. تقول: "عندما دفنتُ ابنتي لم تكن وحدها، كان هناك العديد من الأطفال بسبب الاهمال. انا اتحدث اليوم من أجل اطفال آخرين، ابنتي راحت لكن هناك غيرها يواجهون يومياً المصير نفسها. كنتُ احلم بها وبدأت ارسم لها حياة جميلة، فرحتُ كثيراً لأنني بدأت بعمل لتأمين كل حاجاتها. انا كأم خسرتُ حياتي وروحي برحيل فاطمة لكني مستعدة لرفع الصوت من اجل انقاذ آخرين".

في حين يشير والد فاطمة الى انه "لم نوفر اي وسيلة او علاج لتحقيق حلم الانجاب. دفعنا كل ما نملك وخضعت زوجتي لعمليات عدة حتى نرزق بطفل. كانت فرحتنا كبيرة عند رؤيتها، كانت بصحة جيدة لكن بعد مرور 10 دقائق انخفض الاوكسيجين ولا يوجد "كوفوز" لها في قسم العناية.بدأت حالتها تسوء بعد 90 دقيقة قبل ان ننقلها الى مستشفى النجدة الشعبية في النبطية".

برأي والدها "كانت فاطمة رح تموت بين ايدينا". لم يخف الطبيب المتابع لحالتها سوء وضعها الطبي، رئتاها مغلقتان ولو كُتب لها الحياة كانت ستكون شخصاً من ذوي الحاجات الخاصة بسبب نقص الاوكسيجين".

تشوه خلقي في الرئة 

حسرة والدتها لا توازي اي حسرة، رحلت فاطمة من دون ان يتمكن احد من إنقاذها. توفيت بسبب عدم وجود مستشفى مجهز في المنطقة يُنقذ الأطفال من شبح الموت والإعاقة. "المبلغ المنتظر منذ سنوات لم يصل بعد برغم وعود الوزارات، نحن في انتظار تأمين السقف المالي لتلبية حاجة الكادر التمريضي الا اننا لم نتلق اي جواب.." هذا ما أكده رئيس إدارة مستشفى بنت جبيل الحكومي توفيق فرج.

ويتابع حديثه "منذ سنة تحديداً، ارسلنا طلباً الى وزير الصحة غسان حاصباني لكننا لم نحصل على جواب. القصة مكلفة ونحتاج الى مبلغ حتى نتمكن من المضي في القسم. لقد نقلت الطفلة من خلال الصليب الأحمر الى مستشفى آخر".

في انتظار الموازنة

في المقابل، يشدد مدير العناية الفائقة الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف حلو ان "الوزارة في انتظار اقرار الموازنة الجديدة لعام 2017 والعمل بالعقد الجديد حتى يرسل المبلغ المطلوب لعمل قسم "العناية" وقسم "العلاج الكيميائي" في مستشفى بنت جبيل الحكومي".

لا ينكر حلو ان "الاولوية تلبية حاجة المنطقة التي تعاني من نقص فاضح في الطبابة وتقوية المستشفيات الحكومية وتشجيعها على عملها. المنطقة بحاجة ماسة لعمل هذه الأقسام و "انشالله يؤمن المال ونحدّ من الوفيات، على امل عدم تكرار هذه المأساة مرة اخرى. وكنا نتمنى لو اتّصل بنا للتصرف".

لكن ما كان وضعها الطبي؟ يؤكد الاختصاصي في الاطفال وحديثي الولادة الدكتور جمال بدران أن "الطفلة فاطمة ولدت بعد عمليات عدة وصعوبة في وضع والدتها الصحي. لم نتوقف للحظة عند علاجها، 48 ساعة ونحن نبذل جهودنا وتأمين كل العلاجات الخاصة لإيصال الأوكسيجين الى الرئة دون اي نتيجة. تعاني فاطمة من مشكلة خلقية في الرئة وبرغم من الاوكسيجين والاجهزة وكل العلاجات التي يمكن ان تحصل عليها إلا انها لم تعطِ نتيجة، قبل ان ترحل الى الأبد".