رئيس أركان الجيش الإيراني يؤكد استمرار الهجمات على ضواحي دمشق
 

باتت إيران على استعداد، أكثر من أي وقت مضى، لكشف نواياها في سوريا للعلن، بعد ساعات على تبني مجلس الأمن الدولي قرارا لن يغير كثيرا من مجرى قصف وحشي يتبناه نظام الرئيس بشار الأسد على منطقة الغوطة الشرقية.

وأعلنت إيران أن الهجمات ستستمر على مناطق تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق، حيث ترددت أنباء عن اشتباكات جرت، الأحد، بين المعارضة المسلحة وقوات الحكومة رغم قرار الأمم المتحدة الذي يطالب بهدنة مدتها 30 يوما في عموم سوريا.

وتعتبر إيران أن دورها العسكري مرجح لمسائل الحرب والسلم في سوريا، بعدما درجت في السابق على ترديد أن دورها لا يتجاوز وجود “مستشارين” لمساعدة الحكومة السورية.

وقال الجنرال محمد باقري رئيس أركان الجيش الإيراني إن طهران ودمشق ستحترمان قرار الأمم المتحدة.

لكن وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء نقلت عنه قوله إن الهدنة لا تشمل أجزاء من ضواحي دمشق “يسيطر عليها إرهابيون”. وعمليات التطهير ستستمر هناك.

وأكد دبلوماسيون عاملون في مقر منظمة الأمم المتحدة أن تأخر صدور قرار مجلس الأمن المتعلق بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية سببه سعي روسيا للخروج بقرار فضفاض قابل للكثير من الاجتهادات يرضي إيران والنظام السوري.

وقال هؤلاء إن ضغوطا دولية كبيرة مورست على القيادة الروسية قبل أيام هي التي قادت موسكو إلى المسارعة لاستباق أي إجراء أممي من خلال الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في الغوطة الشرقية.

وأضافوا أن هدف موسكو كان إضاعة الوقت داخل المنبر الدولي الأول مقابل تحقيق واقع ميداني عسكري جديد في تلك المنطقة وفق ما وعدت به دمشق وطهران. إلا أن عجز التحالف بين موسكو وطهران ودمشق عن إحداث اختراق نوعي عسكري في تلك المنطقة مقابل ارتفاع حصيلة الخسائر المدنية، سبب حرجا للقيادة الروسية ما دفعها إلى عدم ممارسة حق الفيتو ضد القرار المعدل عدة مرات، والمقدم من السويد والكويت.

مارتن شولوف: إيران وروسيا غارقتان في مستنقع سوريا بسبب الأجندات المختلفة
مارتن شولوف: إيران وروسيا غارقتان في مستنقع سوريا بسبب الأجندات المختلفة
وكشفت مصادر مواكبة لمداولات إنتاج الوثيقة، التي تم التصويت عليها بالإجماع داخل مجلس الأمن، أن العواصم الكبرى أدركت أن قرار الغوطة الشرقية ليس في يد روسيا وحدها، وأن موسكو لن تمرر قرارا لا يتيح في طياته للنظام السوري وإيران الاستمرار في الضغط العسكري على المنطقة اتساقا مع خيار الحسم العسكري للمعضلة السورية المتناقض مع خيارات التسوية وعناوينها في جنيف وسوتشي وأستانة.

وأشارت صحيفة الأوبزرفر البريطانية، الأحد، إلى تعقّد المسألة السورية وتشابكها مع مصالح قوى دولية وإقليمية عديدة.

ولفتت الصحيفة إلى تناقض مصالح ورؤى وأجندات إيران مع تلك التي تحرك سياسة موسكو في سوريا.

وتناول مارتن شولوف، المتخصص في تغطية شؤون الشرق الأوسط، تحليلا عميقا لخطة روسيا في سوريا.

وأوضح شولوف أن المصالح الإيرانية ومصالح الدول المجاورة لسوريا لا تتسق مع المصالح الروسية إلا قليلا، لذلك فإن الجانبين يغرقان في مستنقع ولا يمكنهما رؤية ذلك حتى الآن.

وتلفت مصادر دبلوماسية أوروبية إلى أن مداولات أوروبية أميركية أفضت إلى تنسيق المواقف ضد ما اعتبروه محاولة روسية إيرانية لقلب الطاولة في سوريا، وبالتالي فرض أمر واقع استراتيجي جديد في الشرق الأوسط. وأشارت المصادر إلى أن تواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعبر عن جدية الموقف الأوروبي حيال سوريا.

وأجمعت المداولات الأميركية الأوروبية على اعتبار معركة الغوطة الشرقية محاولة إيرانية لصد الضغوط التي تمارسها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي ضد طهران في مسألة البرنامجين الإيرانيين، النووي والصاروخي الباليستي، وأن وقف إطلاق النار بات مطلبا عاجلا من خلال مجلس الأمن قبل اللجوء إلى خيارات أخرى.

وكانت سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هيلي قد قالت قبل أيام إن بلادها تمتلك خيارات أخرى غير مجلس الأمن، ما أعاد ذاكرة المراقبين إلى تصريحات مماثلة لها قبل ساعات من قيام البحرية الأميركية بقصف مطار الشعيرات بالصواريخ في أبريل 2017 إثر اتهام دمشق باستخدام الأسلحة الكيمياوية في خان شيخون.

وتسعى موسكو إلى التخفيف من النفوذ الأميركي الأوروبي على مجريات الأمور في سوريا، لا سيما في الشؤون العسكرية والميدانية.

ويقول مراقبون إن موسكو تحاول من خلال قبولها بقرار وقف إطلاق النار منع أي تدخل أميركي بالقوة، خصوصا بعد تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، التي اعتبر فيها أن ما يفعله النظام السوري وروسيا وإيران “عار على الإنسانية”. ويضيف هؤلاء أن إسقاط مقاتلة روسية وغارات الطائرات دون طيار المكثفة على قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين، بالإضافة إلى إغارة مقاتلات أميركية على رتل لمرتزقة تابعين لشركة فاغنر الروسية للأمن، قد قوّض صورة روسيا في سوريا عشية الانتخابات الرئاسية هناك، وأن موسكو باتت تسعى لتجنب الصدام مع المجتمع الدولي.

لكن خبراء في الشؤون الإيرانية يرون أن طهران لا تجاري موسكو في مقاربة هذه الهواجس، وأن وجود إيران في سوريا مرتبط بسلامة وبقاء النظام في طهران.

ويقول شولوف إن الإيرانيين يحظون بالسيطرة الأكبر على نظام الأسد، وأنهم جاؤوا إلى سوريا ليبقوا فيها، علاوة على أنهم تركوا الروس يتقدمون ويشنون الغارات على المعارضة، بينما الإيرانيون يدعمون قواتهم في سوريا.

وأوضح أن “كل اللاعبين على الساحة السورية لا يثقون في بعضهم البعض، وكل التحالفات القائمة حاليا هي تحالفات قصيرة الأمد لن تستمر طويلا”.

وعلى الرغم من عدم ثقة أطراف دولية عديدة بالتزام طهران وموسكو ودمشق بوقف إطلاق النار، إلا أن العواصم الدولية تعوّل على استمرار المداولات التي تعكسها زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى موسكو، الثلاثاء، بما يسمح بإدخال المساعدات من جهة، والبحث عن سبل للخروج من المأزق السوري عامة من جهة ثانية.