كان الدكتور فارس سعيد ظهر أمس في مكتبه يستكمل التحضيرات لانعقاد مؤتمر «المبادرة الوطنية» التي كانت ستضمّ 1000 مشارك، واذا بالهاتف يرنّ ويتم إبلاغه أنّ ادارة فندق «مونرو» اعتذرت عن استضافة المؤتمر بسبب ضغوط تعرّضت لها
 

الضغوط مصدرها جهة سياسية طلبت من جهة أمنية منع انعقاد المؤتمر فإضطرّ الفندق الى الامتثال، وحَدّد سعيد بعد التشاور مع رضوان السيّد موعداً اليوم لعقد مؤتمره الصحافي.

البيان الذي صدر عن «المبادرة» حمّل المسؤولية لجهة سياسية لم يسمّها، لكن سعيد يعرفها، وربما يعلن عنها اليوم، لكن ما جرى استعاد أيام النظام الامني حين كان سمير قصير يُلاحَق، كذلك استعاد مشهد التحضير في العام 2001 لمؤتمر «دعم الشعب السوري» الذي لم يقبل أيّ فندق في بيروت استضافته، فعُقِد داخل «هنغار» في منطقة سن الفيل.

العِبرة ممّا جرى واضحة ولا تتحمّل التأويل: هذه الأطراف التي ما زالت خارج التسوية لا تهدد أطراف السلطة لجهة عدد النواب الذي ستناله في الانتخابات المقبلة، لكنّ صوتها العالي يؤرق أركان التسوية ويُعرّي كل ما جرى منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، والأهم أنه يوجِّه رسالة الى الداخل بعدم الاستسلام لتسوية كانت استسلاماً، والى الخارج العربي، والدولي الأميركي والأوروبي، بأنّ لبنان لم يرزح بكامله تحت وصاية مشروع إيران، وأنّ نواة سياسية تمتلك امتداداً شعبياً، قادرة على أن تكون صوتاً يمنع هذا الاطباق الكامل على القرار اللبناني.

لم يكن ما تعرّضت له المبادرة، الأوّل في مسلسل الإطباق على الحياة السياسية، فالممارسة تدل الى أنّ كل اجهزة السلطة واداراتها، تتحول ادوات للضغط الانتخابي، وما قاله سعيد في بيانه واضح، فالمنع مصدره سياسي والتنفيذ عُهِدَ به الى قوى امنية، اما الجهة السياسية، أو الجهات، فهي متحالفة وتوزِّع المهمات بالتكافل والتضامن، وهذا يشمل استعمال الوزارات والادارات والاجهزة، وكل ما تَوافر من أدوات.

في استعراض لخريطة القوى المعارضة لعهد عون وحكومة الرئيس سعد الحريري، يمكن التوقف عند قوى لا تزال مبعثرة، على رغم التقائها على الأهداف.
الدكتور فارس سعيد رجل «الأمانة» متّهم حريرياً بإساءة الامانة، وهو قال: «طويت الصفحة في العلاقة مع الرئيس الحريري»، وتنتظره معركة وجود في كسروان وجبيل يتعرّض فيها للتطويق من الأقربين قبل الخصوم. ومع ذلك فهو لا يستثمر ما كان بارعاً في استثماره في محطات تاريخية كـ«قرنة شهوان» و«14 شباط» و«14 آذار» ومؤتمرات البريستول.

حزب الكتائب الذي واجه بشجاعة تهويلاً مورس عليه بأنه ضد المصالحة المسيحية، يتقدّم الى ترتيب شراكة في المعركة الانتخابية، فيما هو يعاني بعض الحسابات الداخلية التي إن نجحت ستؤدي الى تقزيم معركته.

اللواء أشرف ريفي الذي استقال من حكومة الرئيس تمام سلام، وانتصر في الانتخابات البلدية، يستعد لخوض الانتخابات ترجمة لمسار أراده التزاماً بخط سياسي مستقيم، تَجاوزاً لما قد يتعرّض له من خسائر تكتيكية. هذا المسار الذي ينتظر شجاعة الشركاء في منتصف الطريق.

حزب « الاحرار» الذي وضِع رئيسه دوري شمعون في اختبار الانتخابات البلدية في دير القمر، يُراد له ان يتعرض لاختبار يرفضه وهو استجداء مقعد لكميل دوري شمعون على لائحة النائب وليد جنبلاط.

مجموعات «المجتمع المدني السيادي»، وهؤلاء يشكّلون نواة غنيّة من الوجوه الطامحة الى التغيير التي تتقاطع مع قوى سياسية، لم تتلوّث بلوثة استثمار السلطة ولوثة الواقعية التي هي الوجه الآخر للتسليم بما لم يكن أحد قادراً على التسليم به في 14 شباط 2005.

تعرضت مبادرة سعيد والسيد للحجب أمس، فهل سيقوم هؤلاء جميعاً بمبادرة لإنقاذ ذاتي قبل أن تصبح السياسة في لبنان فعلاً موسمياً لا يليق بحجم ما تطرحه المرحلة من تحديات؟