جدل بشأن القوات الأميركية يهدف إلى صرف الأنظار عن قضايا الفساد في العراق
 

يبدو أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لن يرضخ لضغوط قادة الحشد الشعبي الموالين لإيران بشأن إخراج القوات الأميركية من العراق، فيما تبدو الولايات المتحدة بعيدة عن هذا الجدل.

في المقابل، تركز القيادات السياسية العراقية الموالية لإيران على ملف الوجود الأجنبي في العراق على أمل أن تستثمره ضد العبادي خلال الانتخابات العامة المقررة في مايو.

وبالنسبة لقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وهي ميليشيا مسلحة تمولها إيران ولديها ممثل واحد في برلمان العراق، فإن أول قرارات الحكومة العراقية الجديدة، التي يقول إن الحشد الشعبي سيشكلها، “هو طرد القوات الأميركية من العراق وإلغاء اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين”.

وكان الخزعلي قد خاطب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عندما زار العراق في أكتوبر إن “على قواتكم العسكرية الاستعداد من الآن للخروج من وطننا العراق بعد الانتهاء من عذر وجود داعش فورا ومن دون تأخير”.

ويقول مراقبون إن القيادات السياسية العراقية الموالية لإيران تسعى لإحراج العبادي شعبيا من خلال التلميح إلى التواطؤ الحكومي مع الوجود الأميركي العسكري في العراق، بوصفه “احتلالا جديدا”، فيما يبدو أنه سيكون ملفا انتخابيا بامتياز.

ولكن رئيس الوزراء العراقي بدا أنه ملتزم بموقفه المرحب بأي دعم عسكري من الولايات المتحدة أو غيرها لبلاده، بالرغم من الضغوط الداخلية.

القيادات السياسية العراقية الموالية لإيران تسعى لإحراج العبادي شعبيا من خلال التلميح إلى التواطؤ الحكومي مع الوجود الأميركي العسكري في العراق

ويقول العبادي إنه يؤيد “بقاء القوات الأميركية وأي قوات دولية أخرى خلال الفترة المقبلة، شرط تدريب القوات العراقية والاستمرار بتقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي لضمان نجاح الانتصارات الأخيرة ضد الإرهاب”.

ويضيف “لا نريد قوات أميركية في العراق بصفة عسكرية وقتالية خلال الفترة المقبلة وإنما فقط في الاستشارة والتدريب”.

ويؤكد العبادي أن هناك أقل من 10 آلاف جندي أميركي في العراق، فيما بدأ العدد في الانخفاض تدريجيا، منذ انتهاء عمليات تحرير مدينة الموصل.

وردا على تهديدات صدرت عن فصائل عراقية مسلحة، موالية لإيران، باستهداف القوات الأميركية في حال رفضت الخروج من العراق، قال العبادي إن وجود قوات التحالف في العراق يخضع للقانون والإرادة العراقية.

لكن مراقبين عراقيين يقولون إن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى موافقة الحكومة العراقية في ما يتعلق بحضورها العسكري، وإن توقيت ونوع وحجم ذلك الحضور، كلها أمور تخضع لتقديرات أميركية خالصة.

واعتبر مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” أنه يمكن اعتبار التصريحات التي تصدر بين حين وآخر عن هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المحسوبة على الميليشيات محاولة لتسويق أفكار شعبوية لا تقف خارج سياق العملية السياسية التي تستند أصلا على دعم أميركي.

وأشار إلى أن هدف تلك التصريحات يكمن في تكريس الشعور بأهمية الاستمرار في عسكرة الأوضاع من أجل إسكات الأصوات الداخلية المطالبة بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، لافتا إلى أن التركيز على مسألة الوجود العسكري الأميركي بين مؤيد ومعارض لذلك الوجود يسلط الضوء على الرغبة في اختراع أسباب اختلاف سياسية انتخابية بعيدا عن الحديث عن الفساد ومحاولات الإصلاح.

ملف الوجود العسكري الأميركي يثار لإحراج العبادي
ملف الوجود العسكري الأميركي يثار لإحراج العبادي
واستبعد أن تقوم إيران بإطلاق أيدي الموالين لها في فصائل الحشد الشعبي في عمليات لإزعاج الجيش الأميركي في ظل غياب الإرادة الرسمية الأميركية في ما يتعلق بهيمنة إيران على الحياة السياسية في العراق.

ويعتقد المراقب أن الولايات المتحدة لا تكترث بالنزاع بين الفرقاء حول وجودها العسكري بسبب إدراكها لأهميته على مستوى الاستهلاك الداخلي. فهو يضيف عنصر شد جديدا إلى العملية السياسية المتعثرة بسبب انطوائها على الكثير من عناصر العبث الترويجي الذي يشكل قاعدة ووسيلة للتغطية على الفشل في إدارة ملفات حساسة عديدة وبالأخص على مستوى الأداء الخدمي.

ولم تثر التهديدات باستهداف القوات الأميركية داخل العراق، اهتمام دوغلاس سيليمان، السفير الأميركي في بغداد، الذي يقول إن بلاده لديها جدول زمني واضح لحركة قواتها التي لم تعد تمارس أي عمل عسكري منذ انتهاء عمليات الموصل.

وقال سيليمان إن “وجود القوات الأميركية في العراق قد انخفض خاصة في الأنبار وذلك بالتنسيق مع القوات العراقية والمتمثل سابقا بالدعم الناري من خلال المدفعية، في حين يقتصر حاليا بالدور الاستشاري فقط”، مؤكدا أن هناك “خفضا تدريجيا لهذه القوات دون استبدالها بأخرى”.

وأضاف أن “مساعدة واشنطن تتركز حاليا على تدريب القوات العراقية لمسك الأراضي في المناطق التي تحررت، إضافة إلى تقديم مساعدات إنسانية للنازحين إلى حين عودتهم”.

ويقول المحلل السياسي العراقي عمر النداوي إن “وجود قوات الحشد الشعبي، بلا حسيب ولا رقيب، وإمكانية تناميها وتحولها إلى نسخة عن الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله، يشكلان تهديدا للعراق وللولايات المتحدة والدول العربية المجاورة التي تتخوف من النفوذ الإيراني المتنامي في العراق وسوريا”، مضيفا أن “ثمة مصلحة مشتركة” لهذه الدول “في تفكيك القوات المسلحة، والعمل مع العبادي يخدم هذه المصلحة المشتركة”.