مع اقتراب المهل الدستورية المؤدّية الى فتح صناديق الإقتراع في السادس من أيار المقبل، وُضع قانون الإنتخاب على مشرحة مجموعة من الاختصاصيّين لمعاينة الثغرات التي تسمح بالتزوير والتي تقود الى الطعن أمام المجلس الدستوري، فكانت عملية تفنيد لا تتنكّر لِما لحظه القانون من محاولات لوَقف استخدام المال الإنتخابي والتي أُبطلت في معظمها أمام اعتماد الصوت التفضيلي. فما الذي أدّت إليه هذه المعاينة؟
 

على هامش ورشات العمل الدائرة في الماكينات الإنتخابية التي تعمل على إحصاء الجداول الجديدة للشطب وتصحيحها تمهيداً لعملية الفرز الدقيقة الجارية لتصنيف الناخبين، تسعى الأطراف كافة الى تحديد مكامن القوة والضعف إستباقاً لمفاوضات تشكيل القوائم الإنتخابية او عدمه، وتقدير مسار المعركة المقبلة وفق ما قال به القانون الجديد.

وإلى المساعي المبذولة لوَضع الجداول الدقيقة التي تؤدّي الى قراءة مكامن القوة والضعف للمرشّحين، وطريقة تجميع الأصوات التفضيلية وتوزيعها، تُجرى المقاربات العلمية والإحصائية لإسقاطها على استطلاعات الرأي التي يرتفع حجم الاهتمام بها يوماً بعد يوم.

وهو أمر منطقي وطبيعي، فكلّما اقتربت المواعيد من حدود المهل الدستورية التي ستقود إلى مرحلة فتح صناديق الإقتراع، ترتفع نسبة الإستنفار في هذه الماكينات ويزداد الضغط قياساً على ما تقول به المراحل الدستورية، بدءاً من قرب إقفال باب الترشيحات، لولوج مرحلة تركيب التحالفات والبتّ بها نهائياً، قبل الوصول الى المرحلة التي تقفل فيها هذه اللوائح في موعد حدّد قبل اربعين يوماً من السادس من ايار.

وفي هذه الأثناء، يتفرّغ الخبراء في القانون لتقدير الحالات الممكنة للقيام بأعمال التزوير والتحضير للسيناريوهات الخاصة بها، توصّلاً الى رَسم المقاربات القانونية والدستورية قياساً على حجم الإحتمالات الواردة، والتي ستقود حتماً الى اللجوء في المرحلة التي تلي الإنتخابات الى الطعون امام المجلس الدستوري، على قاعدة أنها الخطوة اللازمة التي سيلجأ إليها أيّ متضرّر من أيّ خرق للقانون.

وعلى هذا المستوى من البحث، يرصد الخبراء إضافة الى ضرورة اللجوء الى مجلس النواب لتجميد العمل بالمادة 84 الخاصة بالبطاقة المُمغنطة منعاً لأي طعن محتمل ومضمون، أنّ الكثير من التحسينات التي جاء بها القانون الجديد للتخفيف من حدة أعمال التزوير والسعي الى تداركها كما بالنسبة الى المال الإنتخابي قد اتّخذت.

فالقانون الجديد نموذج لم يَعشه اللبنانيون سابقاً ويفرض آلية انتخاب جديدة لا بُدّ من تدريب كل المتعاطين بها على اكثر من مستوى. فإلى الدروس التي تقوم بها الماكينات الإنتخابية لشرح آلية الإنتخاب للناخبين، وأولئك الذين سيكلفون مهمة المندوبين المتجوّلين وامام صناديق الإقتراع، تستعد هيئة الإشراف على الانتخابات الى المباشرة قريباً بعملية تدريب الطواقم الإدارية المكلفة إدارة العملية الإنتخابية بكل مراحلها، وصولاً الى الأدوار المُناطة بلجان القيد في المراحل التي تَلي إقفال الصناديق.

فالحاجة ماسّة الى تدريب لجان القيد حول كيفية احتساب الحاصل الإنتخابي في الدرجة الأولى، ولربما جرى في بعض المناطق على درجتين، إن لم تنل بعض القوائم الحاصل الإنتخابي الأول، وذلك لتحديد الحاصل الثاني والنهائي. وكل ذلك يجري قبل بلوغ مرحلة توزيع المقاعد على القوائم الإنتخابية التي تخوض المواجهة الإنتخابية، وتحديد تلك الفائزة والخاسرة بما تفرضه هذه العملية من حسابات دقيقة، قبل الوصول الى مرحلة احتساب الأصوات التفضيلية التي سيكون لها الكلمة الحاسمة في تحديد هويّات المرشحين الفائزين في السباق الى ساحة النجمة.

وعلى هامش هذه العملية، تسعى بعض الماكينات الإنتخابية الى تقدير المخالفات المحتملة والمقصودة، او تلك غير المقصودة التي ستحال الى لجان القيد، وربما بلغ بعضها حدود الطعون الإنتخابية امام المجلس الدستوري لاحقاً.

وعلى رغم الهامش الواسع الذي أعطاه القانون لجهة تشريع صرف «المال الإنتخابي»، والذي أقرّ بحق أصغر مرشّح في أصغر دائرة انتخابية صرف ما يوازي المليار ليرة لبنانية، وقد يصل بحده الأقصى الى 3 مليار تقريباً، تتزايد المخاوف من سَعي البعض الى تجاوزه على قاعدة القول إنّ الصوت التفضيلي هو «بئر البترول» الحقيقي في هذه الإنتخابات.

والى الإحتياطات المالية التي أعارها القانون الجديد نسخاً عن قانون العام 2013 الذي عرف بقانون ميقاتي - شربل منعاً للخروج عن قواعد الصرف المقونَن، ثمّة من يفكر أنّ في إمكانه استخدام القوائم الموجودة في قلب قلم الإنتخاب لفرض انتخاب هذا المرشح او ذاك، على هذا الناخب او ذاك، عبر تسريب إحدى الأوراق في بداية اليوم الإنتخابي من داخل الغرفة العازلة الى خارجها تمهيداً لاستبدالها بأخرى يتمّ ملؤها خارجاً امام أعين المندوبين.

ويقول العارفون بما يجري التحضير له، انّ اصحاب هذه الفكرة «الجهنمية» سيفاجأون بإجراء تنفيذي لمواجهة فعلتهم، من خلال خطوتين سيتم البتّ بهما في هيئة الإشراف على الإنتخابات، كأن يعمد رئيس القلم الى تنبيه الناخب لضرورة أن يضع القائمة التي تحمل رقماً تسلسلياً في مغلفها الذي يحمل رقماً آخر امام أعينه في صندوق الاقتراع، او سيُصار الى اعتماد الظرف الشفاف في إحدى واجهتيه للتثبّت من وجود القائمة فيه منعاً لتسرّبها الى الخارج.

هذا إضافة الى حصر العدد الإضافي للمغلفات والقوائم المخصصة للعملية الإنتخابية في كل قلم بما نسبته 20 في المئة إضافية نسبة الى عدد الناخبين في القلم، وفق محضر يوقّعه رئيس القلم عند تسلّمه القوائم ومغلفاتها، وعند تسليمها الى لجنة القيد لتدارك مخاطر وقوع أحد الناخبين في الخطأ غير المقصود.

وطالما أنّ الإنتخابات ستجري في لبنان، ثمة من يتوقع إمكان اللجوء الى اساليب أخرى مبتكرة للتزوير والتلاعب بالعملية الإنتخابية، والتي ستكون موضع رصد في المرحلة الإنتخابية، والى حينه لربما ابتدع اللبنانيون وسائل اخرى. فلننتظر.