إيران اليوم تجد نفسها في وضع مربك بعد التدخل الروسي الذي جاء على حساب مصالحها وبعدما باتت موسكو هي من يمسك بالملف السوري
 

لا يلوح في أفق الأزمة السورية ما يؤشر إلى إحتمال وضع حد لمأساة الشعب السوري ولما يعانيه من ويلات الحروب المتنقلة على كافة الجغرافيا السورية وما تسببه من خراب ودمار وكذلك لا يبدو ما يوحي بوضع نهاية لما بات يطلق عليه بالحرب العالمية المصغرة التي تشهدها سوريا منذ أكثر من سبع سنوات. 
إذ أنها شهدت خلال الشهر الفائت تصعيدًا كبيرًا بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المنزلقة في وحول الصراع المحتدم فيها، الأمر الذي يعزز الإعتقاد بإستمرارية الإستراتيجية المتبعة والقائمة على إعتماد سياسة الحفاظ على ديمومة النزاع بين الدول المعنية بالأزمة السورية. 

إقرأ أيضًا: خفايا العلاقة الأميركية - الإيرانية... هل هناك إتفاق بينهما على القضايا الكبرى؟
فعلى خلفية مؤتمر سوتشي الذي رعته روسيا ودعت إليه بالتنسيق مع إيران وتركيا وانعقد أواخر الشهر الماضي، فقد تم توجيه جملة ضربات متفرقة ولكنها متتالية استهدفت القوات الروسية المتواجدة في سوريا، بدأت آخر الشهر الماضي بغارة لطائرات موجهة دون طيار على مطار حميميم حيث دمرت مستودعًا للذخيرة وسبع طائرات عسكرية روسية، دون أن يتبنى أي طرف مسؤوليته عن هذه الغارة وبعدها بأيام قليلة تم إسقاط طائرة حربية روسية في ريف إدلب بصاروخ مضاد ولم يتم التعرف على مصدره، وبعد أسبوع تقريبا قامت طائرة عسكرية أميركية بدون طيار بتدمير دبابة روسية شرقي ديرالزور قيل أن طاقم الدبابة من الروس المرتزقة. 
وفي سياق متصل أقدمت تنظيمات مسلحة تابعة لإيران على شن هجوم واسع على مراكز عسكرية لقوات سورية الديمقراطية في منطقة ديرالزور شرقي نهر الفرات فتصدت لها قوات التحالف الدولي وأسفر عن هذا الهجوم سقوط المئات بين قتيل وجريح من الميلشيات المدعومة من إيران في تطور بالغ الأهمية لم يتم تسليط الأضواء عليه، وربما هذا ما دفع إيران لتحريك قواتها المتواجدة في سوريا للإحتكاك بإسرائيل وذلك بتوجيه طائرة من دون طيار لاختراق أجوائها فجاء الرد الإسرائيلي سريعا ليس فقط بإسقاط الطائرة وإنما بالقيام بغارة قوامها ثمانية طائرات حربية إسرائيلية استهدفت 12 موقعًا عسكريًا مهما للإيرانيين والسوريين في ريفي دمشق ودرعا بينهما مطار تيفور قرب تدمر ومطار المزة في دمشق، ونتج عن هذه الغارة إسقاط طائرة حربية إسرائيلية في سابقة لم يعتادها النظام السوري والذي كان يحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، لدرجة أصبح معه هذا الإدعاء مدعاة للتندر والسخرية. 

إقرأ أيضًا: زيارة تيلرسون إلى لبنان
وإيران اليوم تجد نفسها في وضع مربك بعد التدخل الروسي الذي جاء على حساب مصالحها وبعدما باتت موسكو هي من يمسك بالملف السوري، إضافة إلى المطالبة الأميركية بإخراج القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا وإغلاق الخط بين طهران وحزب الله في لبنان مرورًا بالعراق وسوريا، فالتطورات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا على خلفية مؤتمر سوتشي وأدت إلى توجيه ضربات متعددة إلى الوجود الإيراني والروسي في سوريا، فإن الهدف منها هو تحجيم طموح موسكو وطهران ومعهما النظام السوري من هذا المؤتمر وتحويله إلى مجرد مهرجان وقراراته إلى مجرد توصيات بعد كشف الغطاء الدولي عنه مع التأكيد على مسار جنيف التفاوضي ليكون المرجعية لحل الأزمة السورية. 
وفي السياق عينه تتعرض الغوطة الشرقية قرب دمشق منذ ما يقارب الأسبوع لقصف عنيف من طائرات حربية روسية وسورية أدت إلى قتل العشرات من المدنيين بينهم أطفال، وأمضت عائلات عديدة ساعات طوال تحت وابل من القصف بحثا عن أفراد عائلاتها ونددت الأمم المتحدة بتعرض ست مستشفيات للقصف في الغوطة معتبرة أن ذلك يرقى إلى جريمة حرب، وجدير بالإشارة إلى أن تفاقم الصراع العسكري في سوريا جاء بعد احتدام الأجندات السياسية لحل الصراع السوري، فمقابل مؤتمر سوتشي الروسي تحاول واشنطن فرض استراتيجيتها للحل المبني على تغيير النظام وعلى تغيير قواعد اللعبة التفاوضية العقيمة ، فيما المواطن السوري هو من يدفع الثمن من دمائه ودمار بلده.