لم يبق اليوم في طول سوريا وعرضها، من يذرف دمعة حزن وأسى على الأمة العربية الواحدة
 

أولاً: أمام هول المجزرة.. العالم الحر غائب...

منذ أشهرٍ عدة ومناطق الغوطة الشرقية لمدينة دمشق محاصرة بالحديد والنار، ومن لم يمُت من أهلها بصواريخ الطائرات تحت الانقاض، يقضي بفعل الجوع والأوبئة والحرمان، وعلى الرغم من تصنيفها كمناطق خاضعة لتصنيف "خفض التوتر" الذي أقرّته روسيا مع إيران وتركيا ونظام الأسد، فإنّ هذه المناطق تتعرض منذ أيام لشبه إبادة جماعية من البرّ والجو، فتقتل المئات وتجرح الآلاف وتشرد عشرات الآلاف، والعالم الحر يتفرج، هذا العالم الذي كان يتباهى بمناصرته لحريات الشعوب، فينتفض ويحتجّ على تضييق السلطات السوفيتية على هجرة المواطنين الروس - اليهود خارج الاتحاد السوفيتي أواسط الستينات من القرن الماضي، العالم الحر الذي هبّ لنجدة البوسنة ضد القادة الصربيين واعتقالهم ومحاكمتهم، وهو ذاته الذي هبّ لطرد صدام حسين من الكويت، وأتبع ذلك باحتلال العراق تحت حجّة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهو الذي قضى على نظام القذافي قبل أن يتمكّن من سحق الثورة الشعبية، هو ذاته، العالم الحر الذي يتفرج اليوم على مجزرة الغوطة، كما سبق ووقف صامتاً أمام مجازر حمص وحماه وحلب ودرعا، كل ما خرج من مجلس الأمن لا يعدو أوراقاً بيضاء عليها بعض الحبر الأسود، مع صمتٍ أميركي مريب، ومطالبة بريطانية بهدنة وفتح ممراتٍ إنسانية، صعبة المنال طبعاً، أمّا الروس: حرّاس الأنظمة الديكتاتورية، ففضائلهم تقتصر على نفي المشاركة بالقصف الجوي للمناطق المنكوبة، والمطالبة باجتماعٍ طارئ لمجلس الأمن! 

إقرأ أيضًا: الإنتخابات النيابية في المناطق الشيعية..الاسم إنتخاب والمُسمّى مُبايعة

ثانياً: هرتزل - الأسد...

للأسف الشديد على المقارنة (مع اختلاف الزمان والمكان والقرائن السياسية وظروفها)، فقد كان هرتزل (مهندس الحركة الصهيونية) في سعيه لقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين، قد عرض خدماته وخدمات الحركة الصهيونية وخدمات الشعب اليهودي برُمّته، بالتّتابع وفي آنٍ واحد على الألمان وعلى الروس وعلى الإنكليز وعلى الأتراك، إلى أن رسخ احتلال فلسطين من قبل قوات اللنبي، التحالف الإنكليزي - الصهيوني لفترة من الزمن. والأسد اليوم وفي سبيل تدعيم أركان حكمه، وبعد "عسكرة" الإنتفاضة، عرض خدمات حكمه على الإيرانيّين وعلى الروس، وعلى الأميركيين وعلى الأتراك، حتى رسخ اليوم الإحتلال الروسي والإيراني والأميركي والتركي على الإقليم السوري بعد تدميره وقتل أهله وتشريدهم، دونما أسف أو ندم أو شعور بالخزي والعار.
لم يبق اليوم في طول سوريا وعرضها، من يذرف دمعة حزن وأسى على الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.