عاملان سيَرفعان مستوى المواجهات إلى مراحل متقدّمة:
 

الأوّل، يتعلّق بملف بواخر الكهرباء مع إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على وضعه على طاولة مجلس الوزراء والبتّ به حتى ولو تطلّب الأمر الذهاب الى التصويت.

ويتسلّح عون بضرورة إنجاز هذا الملف في إطار الإصلاحات المطلوبة قبل الذهاب الى مؤتمر باريس، وبالتالي ممارسة الضغط تحت هذا العنوان. فيما الفريق المعارض يُنهي استعداداته المطلوبة لإجهاض هذا المشروع، وعلى اساس أن لا علاقة للإصلاحات المطلوبة بملف البواخر، تماماً كما كان الضغط الذي مورِس العام الماضي بذريعة تأمين الكهرباء قبل الصيف غير صحيح وغير حقيقي.

ويستعدّ هذا الفريق لطرح جوانب يعتبرها مشبوهة في الملف، إضافةً الى معلومات وصلت إليه بأنّ السبب في الضغط والإصرار هو قيام جهة لبنانية بشراء حصّة كبيرة في الباخرتين من أجل زيادة ربحِها، مرّةً عبر العمولات وأخرى كجهة مالكة.

لكنّ السؤال الذي يطرحه أطراف الفريق الوزاري المعارض للصفقة، هو حول مدى الضغط الذي سيمارسه رئيس الحكومة سعد الحريري للسير في الصفقة، وتحديداً كيف سيتصرّف وإلى أيّ درجة مع الرئيس نبيه برّي ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية؟ إضافة الى أسئلة أخرى تتعلّق بالكلفة السياسية لهذا المشروع، والكلفة الشعبية، فيما البلاد دخلت عملياً في أجواء الحملات الانتخابية وسط مزاجٍ شعبي معارض ومرتاب من صفقة البواخر.

أمّا العامل الثاني فهو يتعلّق بالزيارة التي سيقوم بها مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والتي تبدأ غداً الجمعة بعد طول انتظار لها. والواضح أنّ المسؤول السعودي وفي زيارته سيُعطي المباركة السعودية لموقع تيار «المستقبل» في الانتخابات النيابية المقبلة.

وتأمل القوى الحليفة للسعودية أن ينجحَ العلولا في دفعِ الحريري إلى تشكيل لوائح انتخابية تضمّ ما كان يُعرف سابقاً بقوى «14 آذار»، لكنّها تُدرك أنّ هذا الاحتمال لم يعد كبيراً، ولا سيّما بعدما أخذ الحريري مسافة من «التيار الوطني الحر» والقوى الأخرى، وآثر خوضَ الانتخابات بلوائح تقتصر على «المستقبل» وشخصيات مستقلّة في أفضل الأحوال. لكنّ حزب «القوات اللبنانية» وآخرين سينتظرون انتهاءَ الزيارة لإعلان الصورة النهائية للوائحهم، وبالتالي الانطلاق في حملاتهم الانتخابية.

ورغم إعلان تيار «المستقبل» بأكثر من طريقة عزمَه على تشكيل لوائحه بعيداً عن أيّ تحالفات، إلّا أنّ الأيّام الماضية شهدَت محاولات لإنجاح ترتيب لوائح مختلطة في بعض الدوائر الحسّاسة كبيروت - الدائرة الأولى.

وقيل إنّ الوزير غطاس خوري تواصَل مع «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بعد اقتراح بتشكيل لائحة ائتلافيّة تضمّ الجميع وتؤدّي الى فوز معظم أعضائها باستثناء مقعد واحد ربّما.

لكنْ ومع الشروع في درس هذا الاقتراح بكلّ تفاصيله، تبيّن أنّ العقبات كثيرة وغيرُ قابلة للحلّ، ما جعلَ النغمة تعود الى تشكيل لوائح، ولو وفقَ الانقسام السياسي السابق، أي «8 و14 آذار».

لكنّ العقدة الأكبر بَرزت هنا مع التفاهم الذي تمَّ بين «المستقبل» و«الطاشناق» والذي قضى بتبادل «الخدمات» الانتخابية بين الدائرة الأولى في بيروت وزحلة.

ووفقَ هذا التفاهم يساهم «الطاشناق» في وصول الوزير جان اوغاسبيان المحسوب على «المستقبل» في بيروت مقابل تأمين فوز مرشّح «الطاشناق» في زحلة. لكنّ «الطاشناق» متفاهم أيضاً، أو على وشك التفاهم، مع «التيار الوطني الحر» وهو ما يَطرح إشكالية كبيرة حول كيفية ترجمة الصورة المطلوبة.

وفيما تراجعَت كثيراً فرضية اللوائح المشتركة بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» بعد اجتماع غير ناجح حصَل منذ أيام بين الوزير جبران باسيل والسيّد نادر الحريري، تقدّمت كثيراً فرضية التحالف بين «الوطني الحر» والثنائي الشيعي بعد اجتماع عُقِد بين باسيل والحاج وفيق صفا كُرِّس بكاملِه للشأن الانتخابي دون سواه من المواضيع، حتى تلك التي حصلت إبّان المواجهة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل».

وفي انتظار اجتماع آخر حاسِم بين باسيل ونادر الحريري بعد زيارة العلولا، وآخَر بين باسيل ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، فإنّ الحسابات تُطرَح لدى كلّ حزب وفريق لتُطاول صورةَ المجلس النيابي المقبل، والأهمّ المرحلة المقبلة، والتي تُطاول التركيبة الحكومية واستحقاقات أخرى.

تيار «المستقبل» الساعي إلى إبعاد أيّ حرَجٍ عنه، خصوصاً مع السعودية، وفي الوقت نفسِه عدم ضربِ تفاهمِه مع رئيس الجمهورية، بات يتمسّك بمبدأ الذهاب بلوائح مستقلّة وعلى أساس أنّها تؤمّن له مكاسبَ نيابيّة أكبر من اعتماد لوائح ائتلافيّة مع أطراف أخرى. وهذا ما سيَضمن له تلقائياً موقعَه في تركيبة الحكم لاحقاً.

والثنائي الشيعي الذي يضع سلّمَ أولويات وأهداف، يريد كأولوية مطلقة ضمانَ كلِّ المقاعد الشيعية ما يَجعله حائزاً على «الفيتو» الشيعي وفقَ نظرية «الميثاقية» التي سادت طوال السنوات الماضية. وبتحقيق هذا الهدف، يُصبح الرئيس نبيه برّي ضامناً لعودته إلى رئاسة المجلس النيابي متّكئاً على تفاهمِه مع «حزب الله» دون سواه.

والهدف التالي هو بتأمين وصولِ أكبرِعدد ممكن من المرشّحين الحلفاء بشكل يَسمح لـ«حزب الله» بقلبِ التوازنات الحالية والحصول على الغالبية النيابية من دون كتلة النائب وليد جنبلاط.

أمّا «القوات اللبنانية» فهي تنشد تحقيقَ كتلة نيابية وازنة تصِل الى حدود 14 نائباً كما تضع في حساباتها، وهو ما سيَسمح لرئيس الحزب سمير جعجع فرضَ نفسِه مرشّحاً رئاسياً أساسياً في مرحلة لاحقة. لكنّ خصوم «القوات» يراهنون على أنّ حصة الـ 14 نائباً هي حصة مبالَغ فيها جداً، وترجّح أن تبقى كتلة «القوات» وفق حجمها الحالي، أي ثمانية نواب مع فارق أنّ هؤلاء وصَلوا بالقوّة الذاتية التي لـ«القوات اللبنانية».

أمّا جنبلاط فهو لا يحمل آمالاً كثيرة أو كبيرة، ويريد فقط تأمينَ انتقال هادئ ومضمون لنجله تيمور، والقضاء على طموح الوزير السابق وئام وهاب بتشريع حضوره الدرزي من خلال ترسيخ مبدأ المرجعيات الثلاث.

النائب سليمان فرنجية من جهته يأمل في الحدّ من توسّعِ الحصة النيابية لجبران باسيل في مقابل مدِّ خطوطِ تواصُل وتحالف مع الشخصيات السياسية المناطقية لتشكّل لاحقاً فريقاً داعماً له في الاستحقاق الرئاسي المقبل.

يبقى تعاطي باسيل مع الاستحقاق النيابي انطلاقاً من أهداف ثلاثة:


1- أن يحظى بأوسعِ كتلة نيابية ممكنة تسمح له بتعزيز، أو تبرير، حصّته الوزارية، وتالياً تكريسه صاحب الدور الأكبر والأقوى بلا منازع أو شريك.


2- فرض نفسِه مرشّحاً رئاسياً وحيداً، أو المرشّح الأكثر حظاً، مستفيداً من دعمِ الرئيس ميشال عون له والتزكية التي يؤمّنها له مضافاً إليها شبكة تحالفات وتقاطعات مع «حزب الله» من جهة وتيار «المستقبل» من جهة أُخرى. ومِن هنا يمكن تفسير سعي باسيل الدائم إلى علاقة متينة مع الحريري قائمةٍ على تفاهمٍ حول قضايا وشؤون داخلية ولها علاقة بالسلطة. وفي الوقت نفسه الاستمرار في العلاقة مع «حزب الله» وفق عناوينها الإقليمية والاستراتيجية، ومستفيداً من الثقة القائمة بين عون والأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله وتجييرها لمصلحته.ومن هذه الزاوية أيضاً، يُفهَم سعيُ باسيل إلى تحالف انتخابي مع «المستقبل» بداية وعلى اساس أنّ الأرضية مع «حزب الله» متينة ومضمونة.


3- أن يشكّلَ الاستحقاق النيابي مناسبةً لإمساك باسيل بكلّ مفاصِل «التيار الوطني الحر»، وبالتالي إقصاء أو تطويق أو إضعاف المحاور المعارضة له. أي أن تشكّلَ هذه الانتخابات المعموديةَ المطلوبة لزعامته على الإرث الشعبي لعون.

ولكن، وخَلف هذه الجلبة الحاصلة، لم ينتبه اللبنانيون إلى شيء مهم جداً حصَل في كواليس المؤتمر الأمني الدولي الذي عُقد أخيراً في ميونيخ. فبعيداً عن الأضواء حصَل تفاهم أوروبي - إيراني باركَته الولايات المتحدة الأميركية من بعيد، وقضى هذا التفاهم بفتح قناةِ تواصُل وحوار وتفاوض بين مجموعة دول أوروبية تُمثّل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبين إيران من خلال وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

وهذه القناة ستتولّى طرح الأزمات الموجودة في الشرق الاوسط، وخصوصاً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، على أن يُصان الاتفاق النووي ويوضَع خارج أيّ بحثٍ أو تعديل كما يطالب الرئيس الاميركي. وبمعنى آخر، الفصل بين الاتفاق وملفّات المنطقة. وكلّف ظريف نائبَه عباس عرقجي مهمّة التواصلِ المباشر وعقد اللقاءات. وهو ما يعني ضِمناً التسليم بالنفوذ السياسي الإيراني الواسع مقابل إدخال ضوابط أمنية وعسكرية.

ربّما يكون الأجدر متابعة تفاصيل هذه المحادثات كونها تؤثّر في الواقع اللبناني أكثر من نتائج الانتخابات النيابية، ودروسُ انتخابات 2009 باتت أكثرَ وضوحاً من الشمس.