ما شاهدناه منذ اسبوع تقريبًا على شاشات التلفزة، ولا تزال كوابيس مسلسله مستمرة، وانعكس كلامًا عالي السقف على مواقع التواصل الإجتماعي، لا يبشّر بأن الأمور متجهة إلى الحلحلة في مكان ما، وهو لا يعكس الصورة الحقيقية لما يجب أن تكون عليه وضعية الإعلام، الذي له دور آخر غير نشر الغسيل الوسخ فوق السطوح وعبر الصحون اللاقطة وعبر الأقمار الإصطناعية، التي تصل صورها الصادمة إلى الناس، في الداخل وفي الخارج، وهم الذين ينتظرون من الإعلام اللبناني، وبالأخص المرئي منه، غير ما يشاهدونه يوميًا من تبادل للإتهامات ومن تراشق بالأسلحة الثقيلة.


فالمشاهد الذي لديه القدرة وحرية الإختيار من خلال الفرص المتاحة أمامه، والتي توفرها له آلة التحكّم عن بعد لم يعد أمامه خيارات كثيرة محليًا لكي يشاهد ما يمكن أن يخاطب عقله ويحرّك مشاعره إيجابًا وليس بالطريقة المعتمدة تقريبًا من قبل أغلبية التلفزيونات المحلية، وهي طريقة، نقولها آسفين، لا تحرّك فينا سوى الغرائز والمشاعر السلبية.

فالمشاهد، أيًّا تكن خياراته السياسية، يريد عندما يجلس أمام الشاشة الصغيرة، بعد يوم عمل مضنٍ ومثقل بالهموم، أن يشاهد ما يمكن أن يشحنه بالأمل الذي يحتاج إليه في يومه الجديد، وهو ذاهب إلى عمله في الصباح وحين يعلق بعجقة لها أول وليس لها آخر، وفي تعامله مع كل أصناف البشر في عمله، ومن خلال ما يواجهه على مدى ساعات يومه الطويل من مشاكل لا عدّ لها ولا إحصاء.

فهذا المخلوق الذي يحمل الهوية اللبنانية والمتلفة أعصابه لكثرة همومه لا يحتاج إلى من يزيد عليه الطين بلّة، وهو في غنىً عن مشاكلكم الداخلية، وهو في الأساس غير معني بها لا من قريب ولا من بعيد، ويحتاج إلى من يساعده أقله على نسيان همومه ولو مؤقتا، وليس إلى من "يزّكي" على قلبه.

فإذا كانت لديكم مشاكل بين بعضكم البعض، ولا أعتقد أنها تستأهل كل هذه الضجة وكل هذه الحملات، إذهبوا وحلّوها بعيدًا عن شاشاتكم، التي لم تعد ملكًا لكم بمجرد ما أشركتم المشاهد في حرية الإنتقاء والإختيار، بل أصبحت ملكًا له، وهذا ما تعترفون به، بإعتبار أنكم تستخدمون هواءه وموجاته.

لهون وبس، إذ جعلتم من غسيلكم المنشور على الفضاء حديث البلد وكلامًا يتداوله الناس، وليس دائمًا بموضوعية، وقد تخطّى أي كلام حوله المباح منه وغير المباح حدود اللياقات والأدبيات، وليس فيه جديد سوى تعليم الأجيال الطالعة، وهي أجيال الشاشة الصغيرة، على كمّ هائل من التهكم، الذي يصل أحيانًا كثيرة إلى حدود الشتيمة والسباب المبطّن باللعب على الكلمات.

فالمواطن المشاهد لا تهّمه مشاكلكم الداخلية، بل يهمّه أن تبقى هذه الشاشات مضيئة ومشرقة بأخبارها التي تحكي عن همومه ومشاكله فيتشارك معكم النجاحات ويقف إلى جانبكم في الإخفاقات.