يكفي أن تسأل أيًّا من القيّمين على قطاع الطاقة في لبنان عن مستقبل الطاقة البديلة حتى تُلقى عليك محاضرة في أهمية وحنكة المشاريع التي تتولى وزارة الطاقة (ومستشاروها) وضع خطط لها. وعلى الرغم من هذا الحراك الذي على مستوى الأرقام لا يرقى إلى إمكانات بلد مثل لبنان، لا سيما عندما ننظر إلى مستوى المشاريع المطروحة في بلدان مُجاورة، فإنَّ سياسات الحكومة في هذا المجال تبدو مُتوجّهة نحو حلول جزئيّة في انتظار نعمة (أو نقمة) الغاز الطبيعي.  

سواء أتى الغاز أم لم يأتِ، تتجه الحكومة نحو إضاعة فرصة تاريخية في الاستمرار في تبني مشاريع طاقة شمسية وطاقة رياح ذات قدرة متواضعة وتكلفة مرتفعة، وغض النظر عن إمكانيات موجودة وموثَّقة لإنشاء معامل كبيرة للطاقة الشمسية، من شأنها استقطاب عروض أسعار تنافسية من مستثمرين دوليين. إلَّا أنَّ المشكلة تكمن هنا في تعريف ماهية الأسعار التنافسية التي يتحدث عنها وزير الطاقة، سيزار أبي خليل، في بعض الوثائق التي قدّمها إلى مجلس الوزراء والتي تشمل الخطة الإنقاذية لصيف العام ٢٠١٧.

بالفعل، تتضمن الخطة الإنقاذية لقطاع الكهرباء في لبنان إنشاء معمل لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاواط، وهو رقم مناسب كخطوة أوليّة، بحسب ما أكّدته دراسة صدرت في صيف العام 2017 من إعداد كل من برنامج الطاقة والأمن في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت والمجلس الوطني للبحوث العلمية.

بحسب خطة أبي خليل، فإنَّ تكلفة إنتاج الكهرباء في المشروع تراوح بين ٨,٥ و١٢,٥ سنتًا لكل كيلوواط - ساعة. وتصف الخطة، بالنيابة عن الشركة المتقدمة بالمشروع، هذه الأسعار على أنَّها تنافسية لكونها أدنى من تكلفة الإنتاج الحالية التي تتحملها كهرباء لبنان، والتي تُشكّل جزءًا من مشكلة العجز في قطاع الكهرباء. قد يكون هذا العذر مقنعًا كفاية لحضّ مجلس الوزراء على قبول مشاريع مماثلة، ولكن سياسة المقارنة مع تكلفة إنتاج كهرباء لبنان، المرتفعة للغاية أصلًا، ليست الأمثل ولا الأكثر اقتصادية.

بحسب الشركة الاستشارية لازارد (Lazard) التي تدرس سنويًا أسعار إنتاج الطاقة الكهربائية من مختلف المصادر والتكنولوجيات، فإنَّ معدل أسعار مشاريع الطاقة الشمسية قد بلغ في العام 2017 ما يقارب الـ٤,٥ سنتًا لكل كيلوواط - ساعة، أي تقريبًا نصف السعر التنافسي المُقترح على الحكومة في الخطة الإنقاذية. وإذا افترضنا أنَّ المشروع سوف يبدأ في العام 2020، في أحسن الأحوال، فسيكون المعدل حينها قد انخفض إلى مستويات أدنى تماشيًا مع استمرار نمط انخفاض تكلفة الطاقة البديلة بشكل دراماتيكي.

لا شك في أنَّ لبنان ليس البلد الأمثل من ناحية الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتالياً القدرة على استقطاب المستثمرين سواء المحليين أم الأجانب. بناءً على ذلك، من المتوقع والمقبول أن يكون هنالك ثمن ما للمخاطر التي يمكن للمستثمر أن يتعرض لها. ولكن ما نشهده من عروض بعيدة من السياق الدولي وسياق تطور الطاقة البديلة في المنطقة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح توحي بقبول الحكومة اللبنانية بواقع كهذا بدلًا من السعي إلى الحد من هذه المخاطر وتعزيز الثقة بين المستثمر والمؤسسات.

من هُنا، يجب أن تقوم أي مشاريع مستقبلية على أساس المزايدة والمنافسة بين شركات عدة تضمن التوصل إلى أسعار تنافسية حقيقية، بعد أخذ خطوات جدية في تشغيل الهيئة الرقابية المختصة وفقًا لما هو منصوص عليه في القانون، والعمل على وجود أطر قانونية تحمي الدولة والمستثمرين معًا. وكما أثبتت تجارب دول مجاورة مثل الأردن، فإنَّ خطوات كهذه تُعتبر في غاية الأهمية لكونها تساهم في جذب شركات دولية ذات تجارب كبيرة، مما قد ينعكس انخفاضاً في أسعار المزايدة.

ويُشكل السعر عنصرًا أساسيًّا في تحديد الجدوى الاقتصادية بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية. فمن المتوقع أن ترتبط الحكومة مع المُشغّل بعقد شراء للطاقة الكهربائية المنتجة بسعر ثابت قد يمتد على مدار عشرين سنة. وتُعتبر هذه العقود طبيعية للحد من مخاطر تمويل نوع كهذا من مشاريع البنية التحتية. وبالنظر إلى نمط انخفاض تكلفة الطاقة البديلة العالمي والتطور الهائل في تكنولوجيا تخزين الطاقة وقدراتها، قد ينتهي بنا الأمر إلى دفع تكلفة جد مرتفعة مقارنة بما يمكن الحصول عليه.

* مدير برنامج سياسة الطاقة والأمن، معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.

(علي أحمد)