الوزير ورئيس “التيّار الوطني الحرّ” جبران باسيل أكّد مواقفه التي أقلقت “حزب الله” في لقاءات أخرى، يقول القريبون أنفسهم، كما اتّهمه بإعاقة “بناء الدولة” الذي كان تمّ الاتفاق عليه في “ورقة التفاهم” بينهما. وسبب موقفه اعتباره أن الرئيس نبيه برّي رئيس “أمل” هو قمّة الفساد وأن “الحزب” يحميه ولا يتخلّى عنه ويمنع محاسبته. ويلفتون إلى أن “الحزب” أكّد بلسان مسؤوليه: “نحن لن نتخلّى عن برّي، ولا نريد أن نتخلّى عنه، ولا نستطيع ذلك في الوقت نفسه. ماذا يريد باسيل؟ هل يريد أن يُقسِّمنا ويُشرذمنا؟ هو يقول أنه يريد مكافحة فساد برّي، لكنّه وتيّاره لم يُكافحا الفساد الذي اتَّهما به ومن زمان الرئيس الراحل رفيق الحريري وآل الحريري والعاملين معهم كُلّهم. لقد بنى باسيل ومؤسّس “التيّار” وكوادره وقواعده السمعة الجيّدة لحزبهم على “الإبراء المستحيل” لآل الحريري ولـ”تيّار المستقبل” الذي أسّسوه لاحقاً وعلى الوعد بمحاسبة كل هؤلاء. ماذا حصل بعدما صار باسيل وتيّاره “أصحاباً” وأصدقاء لرئيس “تيّار المستقبل” الرئيس سعد الحريري؟ هل نسي أو تناسى أو أعاد إلى “الجارور” اتّهاماته لقيادات أساسيّة فيه بـ”سرقة” 11 مليار دولار أميركي من أموال الدولة؟ يريد باسيل مكافحة الفساد، هل نسي أن “حزبنا” دعمه وتيّاره في كل محطّاتهما ولبّى طلباتهما واستجاب إلى احتياجاتهما؟ من موَّل إعلامهما المُتنوّع؟”.

ما قصّة الخلاف إذاً؟ كل القصّة يجيب القريبون أنفسهم هي غياب “الكيمياء” بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. وهذا أمر يمكن إيجاد حلٍّ له. وقد تدخّل “حزب الله” دائماً بطلب ومن دون طلب لترتيب العلاقة بينهما. لكنّ باسيل كان يضرب محاولاته وعون كان يستمع إليه ويسمع منه. قال “الحزب” أخيراً لبرّي وباسيل وأيضاً لعون: “افصلوا بين عون رئيس الجمهوريّة و”التيّار الوطني الحر” رغم أنه مؤسِّسه. فأنت رئيس مجلس النواب وبهذه الصفة إبقَ على تواصل مع رئيس الدولة عون”. ولباسيل: “أفصل بين قيادتك لـ”التيّار” الذي أسّسه عون وبين الرئيس”. وأمّا عون فقد قال له “الحزب”: “أنت رئيس البلاد ولا بُدّ من أن تتعاون مع برّي وكل المؤسّسات”. والحلّ الذي تمّ التوصّل إليه بعد الأزمة الأخيرة والخطيرة التي وقعت بين “أمل” ورئيسها” و”التيّار” ورئيسه، وكادت أن تُوقع لبنان في هاوية الفتنة، وكان اتّصال الرئيس عون هاتفيّاً بالرئيس برّي، فإن “حزب الله” كان وراءه. ويلفت القريبون أنفسهم أن المشكلة في البداية كانت “مرسوم الأقدميّة” الذي وقّعه رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة وغاب عنه توقيع وزير المال الشيعي، فقامت القيامة ليس فقط لأن الغياب غير دستوري في نظر برّي، بل أيضاً لأنّه أثار القلق من محاولة مقصودة لإبعاد الشيعة عن هذه الوزارة وعن حقِّها في التوقيع الثالث (الأوّل والثاني للرئيس الماروني والرئيس السُنّي للحكومة). وتخوّف اللبنانيّون من تطوّر الخلاف وتحوُّله تصعيداً شعبيّاً يزعزع الاستقرار الأمني. وحصل التطوُّر عندما نُشر فيديو لاجتماع انتخابي في “محمرش” البترونيّة هاجم فيه باسيل برّي بأقذع الألفاظ والأوصاف. في البداية، يلفت القريبون أنفسهم لم يتدخّل “حزب الله”، لكنّه استمرّ في نصح الفريقَيْن بالتحاور لحلّ المشكلة. وفي وقت لاحق وقبل نشر الفيديو أصدر بياناً رسميّاً أيّد فيه موقف برّي من “مرسوم الأقدميّة”. طبعاً اقتراح الاتّصال الهاتفي والاجتماع بعده بين رئيسي الدولة ومجلس النوّاب لم يقتنع به “الرئيس” في البداية مؤيّداً باسيل. لكن الحادثة التي وقعت في ميرنا الشالوحي عندما هاجم جمهور شيعي ولكنّ بـ”آرمة” “أمليّة” مركز قيادة التيّار أشعرت المسيحيّين بالخطر الفعلي وكذلك اللبنانيّين، فتدخّل “الحزب” بقوّته كلّها لوقف التصعيد في الشارع ولحل الخلاف. لكنّ التطوّر الشارعي المُسلّح الذي حصل في “الحدت” من قبل “أمل” وجمهورها والذي قابله تطوُّر مماثل من أهلها المسيحيّين جعل “الحزب” يرى أن عدم الحلّ سيُعيد خط تماس بين المسيحيّين والشيعة من الحدت نزولاً إلى العاصمة بيروت، وسيُشرِّع الباب أمام حرب أهليّة جديدة. وصدف أن إسرائيل قامت في ذلك الوقت بتوجيه تهديدات جديّة إلى لبنان. فزاد “حزب الله” من ضغطه واتّصل عون ببرّي وأعقبه اجتماع بينهما بعد أيّام قليلة.

في هذا المجال، يُشير القريبون أنفسهم إلى أن قائد الجيش العماد جوزف عون اتّصل ليلة التطوّر الشارعي المُسلّح في الحدت بالرئيس عون قائلاً له: “فخامة الرئيس لم أعد قادراً على تهدئة الوضع. أرجوك بادر إلى حلٍّ سياسي. صرنا على شفير حرب أهليّة”. ويُشيرون أيضاً إلى أن ما حصل قد يكون عزّز الشعبيّة المسيحيّة لباسيل فصار رافضاً أي مسعى تفاهميّ مع برّي معتبراً أن طريق وراثة بشير الجميّل (الرئيس الراحل والزعيم المسيحي الأقوى خلال الحرب) صارت مفتوحة أمامه، علماً أنه كان قبل ذلك “مستقتلاً” للتوصّل إلى حلِّ ما. وعندما اتّخذ “الحزب” موقفاً مؤيّداً لبرّي زعل وغضب. وصار “لا يتهدّى” كما يقال في العاميّة. لكن في حادثة الحدت اتّخذ عون المبادرة وخيراً فعل. علماً أن برّي وافق منذ البداية على مخرج “الحزب” أي الاتّصال الهاتفي ثم الاجتماع، الذي شارك في إقناع عون به الوزير والنائب السابق جان عبيد.