مثّلت الزيارة الأخيرة للعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، التي قام بها إلى روسيا قبل أيامٍ، أهميةً كبرى للعلاقات بين عمّان وموسكو، وللدور الذي يمكن أن يلعبه كل طرف لخدمة الطرف الآخر، وخاصة فيما يتعلق بالقضية المحورية في الشرق الأوسط؛ وهي القدس
 

واعتبر موقع Lobe Log، المتخصص في التحليلات الاستراتيجية، أن هذا الزيارة تعد الأهم بالنسبة للعاهل الأردني؛ بسبب الموقف المتأزم الذي تتعرض له عمّان، لموقفها الرافض لما يعرف بـ"صفقة القرن".

مسألتان بخصوص سوريا


المسألة الأولى، أن عمّان لا تريد أن تتحول إلى منطقة جذب للجماعات المتطرفة والإرهابية. فقد كانت فحوى الرسالة التي وجهها الملك إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يُترك الأردن بعيداً عن الصراع قدر الإمكان. أما الأمر الثاني، أن عمّان لن تتحمل المزيد من تداعيات الصراع السوري، ولن تسمح لمزيد من تدفق اللاجئين على أراضيها.

ومع سعي إدارة ترامب إلى تمرير ما يُعرف بـ"صفقة القرن" على حساب الأردنيين والفلسطينيين، يتطلع الأردن، في الوقت الراهن، إلى موسكو وأنقرة؛ لدعم موقفه الرافض لاعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل.

19 زيارة لموسكو


زار الملك عبد الله الثاني روسيا 19 مرة منذ تربعُّه على عرش المملكة عام 1999. إلا أن أهمية الزيارة الأخيرة تنبع من الوفد المرافق للملك، والذي تضمن رئيس هيئة الأركان المشتركة، محمود فريحات، الذي يُعد أيضاً مستشار الملك للشؤون العسكرية، وعدنان الجندي مدير جهاز المخابرات العامة، بالإضافة إلى مقرر مجلس السياسات الوطنية، الأمير غازي بن محمد. وقد ركزت المباحثات على مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب. وبالنظر إلى عدد المقاتلين الروس الذي تتراوح أعدادهم بين 2000 إلى 5 آلاف، والموجودين بالفعل على الأرض السورية، وكذلك بالنظر إلى المعلومات الجيدة التي لدى الأردن عن هذه الجماعات- فإن البلدين لهما مصالح كبيرة في تعاون أوسع على المستوى المخابراتي.

وقد أشاد الملك بدور روسيا الداعم لتسوية سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وللمرة الأولى، يشعر الملك بالقرب من روسيا أكثر من أي قوة عالمية أخرى؛ إذ يسعى الأردن -في الوقت الراهن- إلى مساندة عسكرية روسية جنوب سوريا؛ وذلك للحفاظ على تلك المنطقة ملاذاً آمناً، وتجنُّب أي تصعيد آخر بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية، مثل ما حدث في وقت سابق من الشهر الجاري (كانون الثاني 2018)، وأسفر عن إسقاط طائرة "إف-16" إسرائيلية.

لماذا يقلق الأردن؟


ويرى Lobe Log أن ثمة قلقاً يساور الأردن، يتعلق بالجهود الإيرانية في بسط نفوذها بلبنان، والعراق، وسوريا. وبما أن إيران تُعتبر حليفاً روسيّاً، تأمل عمّان أن تضغط موسكو على الإيرانيين من أجل الابتعاد عن الحدود الأردنية، وتجنّب الصدام مع الجيش الأردني، أو مع القوات الإسرائيلية.

وانطلاقاً من هذه النقطة، لا يريد الأردن مزيداً من التدهور الأمني على حدوده. وكان هذا هو السبب الرئيسي في وقف إطلاق النار بجنوب سوريا، والذي توسطت فيه كل من واشنطن وموسكو صيف عام 2017، وهو القضاء على القلق الذي انتاب عمّان وتل أبيب بسبب الوجود العسكري الإيراني في المناطق المجاورة للأردن وإسرائيل.

ويسعى الملك عبد الله إلى دعمٍ روسي أكبر لوصاية بلاده على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية. من أجل ذلك، التقى مع فلاديمير غوندياييف، بطريرك موسكو وسائر الأراضي الروسية؛ لمناقشة التعايش السلمي بين الأديان. والتقى الملك أيضاً الشيخ راوي عين الدين، رئيس مجلس الفتوى في روسيا، بالإضافة إلى عدد من العلماء المسلمين.

يركز الأردن وروسيا على بناء مصالحهما المشتركة، فموسكو تحتاج إلى شريك عملي بالمنطقة يساعد روسيا على اكتساب دور أكثر تأثيراً في العالم الإسلامي. بينما تعتبر عمّان موسكو وسيطاً نزيهاً، يستطيع التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل الأزمة بينهما. ويُعد قرار روسيا إشراك الأردن في مفاوضات السلام السورية بأستانا بكازاخستان، دليلاً آخر على توطد العلاقات بين البلدين، وإشارة على جهود الأردن في تحفُّظه المتنامي حول رهانه على الولايات المتحدة.