في لبنان «عرفٌ مَرَضي» تتوافق معظم القوى السياسية على تسميته «التحالف الانتخابي»، معترفةً في الوقت نفسِه بأنه تحالف «رِفقة الطريق» إلى مساء الانتخاب، على أن يعود كلّ متحالف إلى «رَبعِه» صبيحة اليوم التالي خائباً أو غانماً
 

في لبنان «عرفٌ مَرَضي» تتوافق معظم القوى السياسية على تسميته «التحالف الانتخابي»، معترفةً في الوقت نفسِه بأنه تحالف «رِفقة الطريق» إلى مساء الانتخاب، على أن يعود كلّ متحالف إلى «رَبعِه» صبيحة اليوم التالي خائباً أو غانماً.
يُطرَح التحالف الانتخابي في التداول بلا خَجل مع أنه في حقيقته احتيالٌ مكشوف على الناخب، الذي يُطلَب منه التصويت لنِصف لائحةٍ على سبيل الاقتناع، وللنصف الآخر على سبيل مراعاة حظوظ النِصف الأوّل، ويصبّ تصويتُه في النهاية لمرشّحين في اللائحة يمارسون سياسات مناقضة لاقتناعاته.

وإذا كان التحالف الانتخابي أقلَّ ضرَراً على صورة بعضِ الشخصيات السياسية البراغماتية، التي تتعمَّد عدمَ إعلان برامج سياسية، فهو في ما يتعلق بالأحزاب السياسية والتيارات، يؤدّي إلى «تهريج» الحياة السياسية، وتقزيم الانتخابات من استفتاء على برنامج إلى سباق على رفعِ عددِ الكتل النيابية.

نماذج كثيرة يمكن إعطاؤها في هذا المجال. الأبرز منها مفاوضات أطراف التسوية، أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، وهؤلاء يجاهرون بخلافهم العلني حول قضايا السلاح و«حزب الله»، فيما هم يَدخلون مداورةً في مفاوضات لتشكيل لوائح موضعية، فإذا تعذّرَ التحالف في دائرة ينتقلون إلى الأُخرى، وكلّ ذلك تحت عنوان أنّ هذا التحالف انتخابي وغيرُ سياسي.

بالنسبة إلى «القوات اللبنانية»، فإنّ ما يَجمعها من ثوابت مع «التيار الوطني الحر» يقارب الصفر، فالرئيس ميشال عون يغطّي سلاح «حزب الله» في مجلس الوزراء وخارجه، فيما هي تتمسّك بمواجهة مشروع الحزب، فأيّ تبرير ستعطيه لهذا التحالف وكيف سيُدلي الناخب بصوته في أيّ منطقة يتمّ التحالف فيها، للائحة تضمّ معارضين وداعمين لسلاح «حزب الله».

الأمر نفسه ينطبق على «المستقبل»، الذي يعلن الرئيس سعد الحريري باسمِه عدمَ التحالف مع «حزب الله»، فيما يستعدّ للتحالف الموضعي مع «التيار الوطني الحر» حليف «حزب الله»، وهذا المثل يمكن أن يتكرّر بضمّ شخصيات لا تزال إلى الآن على علاقة وثيقة بالنظام السوري و«حزب الله».

وإذا كانت قوى التسوية قد شرّعت لنفسها منطقَ التحالف الانتخابي، فإنّ سوسة هذا التحالف تُهدّد أيضاً بنخرِ القوى التي واجهت التسوية، والتي طرَحت منذ البداية التمسّكَ بمبدئيات لا تحيد عنها.

الكلام هنا عمّا يُطرَح على حزب «الكتائب» والدكتور فارس سعيد وحزب «الوطنيين الأحرار»، في أكثر من دائرة وخصوصاً في كسروان والشوف وعاليه.

في كسروان يتمّ التداول بتحالف بين «الكتائب» وسعيد، وتُفتح القنوات مع النائب السابق فريد الخازن الذي يمتلك قاعدةً شعبية ثابتة، لكنّه يتموضع في موقع أقرب إلى قوى 8 آذار، ويطرح التحالف مع الخازن أسئلةً كثيرة عن جدوى انتقاد القوى التي عارضَت التسوية للقوى التي دخلت فيها إذا ما كانت هذه القوى ستتحالف في النهاية مع خيارات تُشبه خيار عون، على الرغم من معارضتها له لأسباب غير سياسية.

في الشوف وعاليه تَطرح الإشكالية نفسَها بالنسبة إلى «الأحرار» و«الكتائب». فالنائب وليد جنبلاط الذي يشكّل اللائحة في هذه الدائرة، ربّما سيقدّم عرضاً لهذين الحزبين للتحالف في لائحة واحدة معه ومع «المستقبل»، في حال وصَلت مفاوضاته مع التيار و«القوات» إلى طريق مسدود، وهي تكاد تصل.

فهل سيتعامل كلّ مِن «الأحرار» و«الكتائب»، مع هذا الطرح بمنطق التحالف الانتخابي الذي يمكن تبريرُه بخصوصية المصالحة الدرزية ـ المسيحية في الجبل، وعندها سيكونان في لائحة واحدة مع جنبلاط والمستقبل؟ أم سيتمسّكان بالسعي إلى تشكيل لائحة مع المكوّنات الأُخرى تطمح لأن تُرسيَ نهجاً منسجماً مع ما أعلنّاه قبل التسوية وبعدها؟.

لن تطولَ الفترة التي ستنقشع بعدها الصورة لأنّ الجميع دخل في سباق مع الوقت لتشكيل اللوائح والتحالفات، والحسم في آذار المقبل.