الأجواء المحيطة بالموازنة تَشي برغبات بَدت جدية، عبّر عنها اكثر من مسؤول لإنجازها خلال الفترة المتبقية من ولاية المجلس النيابي. وذلك لتدارك المطبّ المزدوج الذي يمكن ان يسقط فيه الواقع المالي، المتمثّل من جهة بالعودة الى الصرف على القاعدة الاثني عشرية في حال انتهت الولاية المجلسية من دون إقرار الموازنة، مع ما يرافق ذلك من عشوائية في الصرف على غرار ما جرى في السنوات الـ12 السابقة لإقرار موازنة العام 2017.

والمتمثّل من جهة ثانية باصطدام موازنة العام الحالي بموازنة العام المقبل، مع ما يترتّب على ذلك من إرباك ومردود سلبي على المالية العامة التي يُجمع الجميع على انها في أسوأ حال.

وقد انتهت جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في القصر الجمهوري امس، الى تشكيل لجنة وزارية مهمتها درس ملاحظات الوزراء حول أرقام الموازنة.

وبدا واضحاً من المعلومات التي رَشحت، حول النقاشات الاولية التي جرت، انّ إقرارها سيكون مهمة شاقة، وهناك ترجيحات مبررة في انّ الموازنة لن تقر قبل الانتخابات النيابية المقبلة.

وما يدعو الى التشاؤم انّ الشروط التي وضعها وزراء "التيار الوطني الحر" للمضي قدماً في النقاشات حول الموازنة، يصعب تحقيقها لاعتبارات عدة، منها ما يتعلّق بواقع لا يمكن تجاوزه، كما هي حال الشرط المتعلق بإعادة خفض اسعار الفوائد المصرفية كما كانت قبل أزمة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2017، او بشرط إلغاء المساعدات للجمعيات، وهو مطلب حسّاس قبل الانتخابات النيابية.

لكن المفاجأة الصادمة جاءت في ارقام مشروع الموازنة الاصلاحية التي تبيّن انّ العجز فيها يبلغ 7569 مليار ليرة، يضاف اليها 2100 مليار كلفة عجز الكهرباء، ليصل عجز الموازنة الاجمالي الى 9669 مليار ليرة. وبالتالي، يكون العجز قد ارتفع 2469 مليار ليرة مقارنة مع عجز العام 2017 الذي وصل الى 7200 مليار ليرة.

وهذا يعني في لغة الارقام انّ لبنان يحتاج الى اقتراض حوالى 6,4 مليارات دولار لسد العجز. وهذا الرقم قياسي لم تسجله اي موازنة سابقة، وهو عجز سيصعب معه مواجهة الدول المانحة وإقناعها بتقديم المساعدات والقروض الى لبنان. ومن المعروف انّ الشرط الاول الذي تضعه الدول المانحة ينصّ على اتّباع الحكومة اللبنانية خطة إصلاحية تخفّض العجز تدريجاً.

الملاحظة الاخيرة في هذا الملف انّ عدم احتساب عجز الكهرباء هو نوع من التحايل الذي لن يمر على المؤسسات المالية الدولية. وسيكون معروفاً انّ موازنة 2018 تعكس حجم الكارثة المالية الفعلية التي يسير البلد في اتجاهها.