تغيب البرامج الإنتخابية الحزبية التي يجب أن تراعي حاجات المواطن وتطلعاته فتأتي شعارات التحرير والمقاومة كوسيلة لتخدير الجماهير وتعبئة المواطنين
 

مؤتمران صحفيان سنتابعهما اليوم الأول لرئيس مجلس النواب نبيه بري والثاني للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يهدف المؤتمران إلى إذاعة أسماء المرشحين لكل من حركة أمل وحزب الله وحلفائهما في لبنان خلال الإنتخابات النيابية في أيار القادم.
سُرّبت الأسماء يوم أمس وانتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي وفي وسائل إعلامية عدة لنلاحظ أن لا تغييرات جديدة وجدية لتركيبة اللوائح النيابية التي يعتمدها الطرفان، والتغيير محصور في مقاعد قليلة فقط، في إشارة ربما إلى عدم توفر البدائل التي يمكنها الولاء السياسي والحزبي التام، وربما أيضا على قاعدة أن الجديد لن يكون أكثر ولاءً من الموجود في زمن الإنصياع التام لرغبة الزعامة ومصالحها السياسية والحزبية دون الأخذ بعين الإعتبار حملة الإنتقادات الشعبية الواسعة بقاعًا وجنوبًا وشمالًا، تلك الحملة التي تطال بالتحديد نواب حركة أمل وحزب الله في تخليهم عن أهلهم وناسهم وفي تخليهم عن حاجات المواطن البقاعي أو الجنوبي أو البيروتي واعتبار مصلحة الحركة أو الحزب فوق كل اعتبار.

إقرأ أيضًا: مهزلة التخوين والعمالة ضد المرشحين الشيعة
ويبدو من خلال إختيار المرشحين وتشكيل اللوائح أن لا نية جدية للتغيير عند الثنائي الشيعي وأن القديم سيبقى على حاله في إهمال مقصود للإنتقادات المشار إليها أعلاه من مؤيدي الطرفين فلا تغيير ولا إنماء ولا من يحزنون والهدف الوحيد سياسي بامتياز، وكل الإختيار إنما المقصود منه المصلحة الحزبية فقط.
وفي الوقت الذي نشهد انتقادات شعبية واسعة للمرحلة النيابية السابقة وخصوصا لكتلة التنمية والتحرير وكتلة الوفاء للمقاومة فإن الأذان لا تزال صمّاء وكأن هذا الشعب ما هو إلا وسيلة لصعود هذا النائب أو ذاك، وما هو إلا وسيلة للصراخ بالدم بالروح نفديك يا زعيم، وما هو إلا سلعة في البازار السياسي والإنتخابي في بلد لا قيمة فيه للإنسان والمواطن إلا حسب ولائه لهذا الحزب أو ذلك ولهذا الزعيم أو ذاك وبالطبع لا يحصل هذا المواطن إلا على فتات موائدهم ومحاصصاتهم.
وفيما تغيب البرامج الإنتخابية الحزبية التي يجب أن تراعي حاجات المواطن وتطلعاته فتأتي شعارات التحرير والمقاومة كوسيلة لتخدير الجماهير وتعبئة المواطنين باتجاه الخطر المحدق الذي يشكله العدو الإسرائيلي كوسيلة خبيثة وكأسلوب مقصود لتعمية عيون المواطنين في البقاع والجنوب عن الإخفاقات الكبيرة للنواب في المرحلة السابقة فلا تقديمات ولا مشاريع ولا إنماء بل ازدادت الأزمات أضعافا وبات أي مواطن لبناني مهددا بحياته ومعيشته وأمنه وإقتصاده وصحته.

إقرأ أيضًا: البلوك رقم 9 يحطّ على أنقاض فاجعة برج البراجنة
وتحت تلك الشعارات المزيفة وعلى قاعدة "التكليف الشرعي" أو "الأمر التنظيمي" وتحت شعارات "خط المقاومة" و "دماء الشهداء" و "حفظنا الوصية" تنساق مجموعات حزبية كبيرة للتصويت دون أدنى مسؤولية وطنية، وتحت هذه الشعارات أيضا يأتي بعض رجال الدين وهم بالحقيقة رجال الحاكم أو السلطان يأتي هؤلاء لإصدار الفتاوى بحجج لا تمتّ إلى الدين بصلة وهم بذلك يبعون دينهم من أجل دنياهم.
إن أي حركة نهضوية حقيقية وجريئة تبدأ من الشعب ومن المواطن والمواطن في أي بلد هو الذي يحاسب وهو الذي يقرر وهو الذي يحدد خياراته بما ينسجم مع تطلعاته بالمحاسبة والإنماء والتغيير والإقتصاد وغير ذلك، إلا في لبنان حيث تتحكم مجموعة عناصر وشعارات بمصير شرائح كبيرة فيتم إسقاط المرشحين كخيار مُلزم لا يمكن الإعتراض عليه  وبذلك تبقى الأزمات على حالها ويبقى المواطن أسير هذه الشعارات وهي اليوم لم تعد تقدم ولا تؤخر.
وفي ظل هذا الوضع القاتم، قلة قليلة استطاعت أن تقول كلمتها بجرأة وحيادية واستقلالية من خلال مشروع قائم على أن الخيارات الوطنية هي الأولوية وعلى أن الشعارات الحقيقية هي الإنماء ورفع الحرمان ورفع الظلم وتحرير الإنسان من أي تبعية  ليكون إنسانًا حرًا قادرًا على حسن الإختيار والمحاسبة لاحقًا.
وهنا يكمن التغيير الحقيقي، التغيير نحو الأفضل من خلال رفع الصوت عاليًا باتجاه التغيير الذي يعتبر مطلبًا محقًا في سبيل تحرير المواطن ولقمة عيشه وفي سبيل العيش الكريم وفي سبيل رفع الظلم والحرمان، وهنا تكمن مسؤولية المواطن المسؤول الذي يتطلع إلى المحاسبة والتغيير.