يجوز الترشح في قبال الثنائي الشيعي، بل ويجوز عدم إنتخابهم
 

 

بشكلٍ عام، ومع دخول الأحزاب الإسلامية إلى العلمنة السياسية من أبواب الإنتخابات البرلمانية ومن غيرها، بين الفينة والأخرى تخرج جملة مصطلحات فقهية ليست مستندة إلى النصوص الدينية، فيقفز مصطلح "التكليف الشرعي" إلى واجهة شمَّاعة الحركات الإسلامية باعتباره مفتاح تعليب لجمهورٍ مستسلمٍ لفقهاء الأحزاب والمذاهب، وجعلوا من كل فعل سياسي أو أخلاقي أو إجتماعي أو تربوي أو إقتصادي وربما تعديته على نومه وأكله وعلاقاته الدنيوية متعلقاً هذا "التكليف الشرعي" بالثنائي الديني "الحلال والحرام"، وبهذا تمَّ تصويب الجمهور الملتزم نحو أهدافهم من دون أن يكون لهذا الجمهور الخِيَرةُ من أمرهم.

ومخافة الوقوع في الحرام يتقدَّم المسلم إلى تأييد مرشحي الأحزاب الإسلامية من دون معرفة مسبقة بهم وربما لا يعرف أسمائهم بعد وصولهم إلى هيكل من هياكل البرلمان في الدولة، وبهذا نجح الإسلاميون بتأمين حكمهم وسلطتهم في السلطة.

مع أخذ العلم أيها الناخب المسلم من المفترض والواجب أن تعيش قيادات الأحزاب الدينية حالة من التقشف والزهد وأن تقدِّر نفسها بأضعف الخلق من الناس أو للأقل تقدِّر العيش كما تعيش أنت أيها الناخب، في الوقت الذين يعيشون كصناديد قريش من الترف والبذخ هم وأولادهم، وما عليك أنت أيها الناخب إلاَّ أن تقدِّم الطاعة صباحاً ومساءاً من أجل براءة ذمتك، إنتبه إنه الإسلام السياسي، الذي لا تملكه ضابطة محدودة.

إقرأ أيضا : الشيخ الدكتور حسن جوني..فتاوى إنتخابية غبّ الطلب

هذا الكلام بشكلِ عام لكل الحركات الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي، وأما في لبنان فالأحزاب الإسلامية مع دخول أي إستحقاق يقفز إلى الواجهة مصطلح التكليف الشرعي، من وجوب الإنتخاب والتصويت، إلاَّ أن هذا المصطلح قفز من وجوب الإنتخاب إلى حرمة خرق اللوائح الحزبية الإسلامية، من هنا وعلى ضوء إرتفاع منسوب الأصوات المنادية بالتكليف الشرعي بوجوب الإنتخاب وحرمة خرق اللوائح الحزبية، نسأل: هل الإنتخاب حق شخص أم تكليف شرعي، من المؤكد أنٍّ كل الأفكار الوضعية والحقوقية تعتبر الإنتخاب حقٌ مقدَّسٌ للفرد يمارسه لتحسين حياته الإجتماعية والسياسية من قِبل المُستنوبين عنه، ولكن هل وجهة نظر الدين متطابقة لنظرة اللادينية؟

في التجربة الإسلامية لا توجد إنتخابات بهذا المعنى المستحدث من قِبَل مفاهيم الدولة المدنية وهي تجربة محصورة بين رأيين ومذهبين ذاهِبَين باتجاه أن السلطة هي تعيينٌ وليست إنتخاباً، أو انتخابٌ من قِبَل أهل الشورى كما تؤمن بعض المذاهب والأحزاب الإسلامية ، لذا تفتَّق الذهن الإسلامي الفقهي على أسئلة جديدة حول السلطة وتفريعاتها وحق الإنتخاب وانقسم فقهاء الأحزاب والمذاهب وكانت الطبقة الحزبية الدينية هي صاحبة السيطرة على الفهم الديني لمسائل سياسية استخدمت فيها التكليف الشرعي أو حرمة خرق لوائحهم لسوق الناس بالجملة باتجاه مآرب ومصالح تخدم الدين وتعزِّز قوة إسلامهم الحنيف بحسب رأيهم.

إقرأ أيضا : الشيخ حسن جوني يحرم التصويت ضد لائحة الثنائية الشيعية ... في أي زمن نحن نعيش؟

ويبقى هناك رأي معارضٌ لجملةٍ من فقهاء وعلماء يعتبرون ويؤكدون أنَّ الإنتخاب شأنٌ بشريٌ وغير ديني مما يعني أنَّ الله لا يتدخل في تحديد طبيعة المصالح السياسية والإجتماعية، ويقولون إنه واجبٌ متعلقٌ بمصالح الفرد والجماعة، والدين هنا مزجوجٌ به ولا تتوفر غطاءات دينية نصية لشرعنة مواقف القائلين بأن الإنتخاب شانٌ دينيٌ وغير بشريٌ وعلى الرعية الإلتزام به كالصلاة والصوم وباقي العبادات، لذلك يذهب إلى هذه النظرية مفكرون وفقهاء شيعيُّون وعلى رأسهم الفقيه الشيعي الكبير "النائيني" في كتابه العظيم "تنبيه الأمة وتنزيه الملَّة" ومن هنا يجوز الترشح في قبال الثنائي الشيعي، بل ويجوز عدم إنتخابهم.