شهد الاقتصاد الحقيقي في لبنان تحسناً طفيفاً سنة 2017 بالمقارنة مع العام 2016، وإن كان الاقتصاد الوطني لا يزال يعاني من فجوة لافتة مع الناتج الممكن تحقيقه ومستوى العمالة الكاملة. وعلى الرغم من التحسن الخجول في بعض المؤشرات لا يزال الاقتصاد اللبناني غير قادر على تحريك عجلة النمو المطلوبة للنهوض من الركود المزمن. إن التحسن الطفيف في النشاط الاقتصادي سنة 2017 مدعوم بشكل أساسي بالقطاعات الاستهلاكية أكثر منها الاستثمارية. ومن بين القطاعات الاستهلاكية نذكر قطاع السياحة الذي شهد تحسناً في الأداء انطلاقاً من قاعدة ضعيفة، بحيث ازداد عدد السياح بنسبة 11%، ما رفع معدل إشغال الفنادق من 58.9% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016 إلى 65.2% في الفترة المماثلة من العام 2017.  

وبحسب البنك الدولي لا تزال الآفاق الاقتصادية للبنان في الأمد المتوسط تتسم بالضعف. وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو السنوي سيظل في حدود نحو 2% في الأمد المتوسط، و2.5% في 2018، وذلك بفعل الزيادة المتوقعة للإنفاق (العام والخاص) التي ستُحفِّز عليها الانتخابات النيابية المقبلة المقرر إجراؤها في أيار.

 

 أما نسبة الاستثمار إلى الناتج، والتي تقلّصت من 31% في العام 2010 إلى ما يقارب 23% في العام 2016، فلم تشهد في العام 2017 أي تغير يذكر عن نسبة العام 2016 لاسيما في ظل المخاطر المحدقة والمستمرة والتي تساهم في تأجيل القرارات الاستثمارية الكبرى في البلاد. فحالة الترقب والتريث لا تزال سائدة في أوساط المستثمرين المحليين، في حين أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تقلصت بنسبة 32% خلال السنوات الست الماضية، لا يبدو أنها استفادت من تحسن المناخ السياسي عقب التسوية السياسية المحلية في الفصل الأخير من العام السابق. وفي جانب الطلب، يبدو أن التراجع على مدى ثلاثة أعوام (2014-2016) لمساهمة القطاع الخاص في نمو إجمالي الناتج المحلي مستمر. وبالنسبة لعام 2017، يبدو أن العامل الوحيد للنمو فيه هو صافي صادرات السلع والخدمات، وذلك بفضل انتعاش الصادرات، وتدنِّي التأثيرات الأساسية السلبية، وركود الواردات. ومن منظور التحليل الهيكلي، ما زال الاقتصاد يرتكز بشدة على الخدمات (لاسيما الخدمات العقارية وتجارة التجزئة والخدمات المالية)، وموجَّهاً نحو المنطقة، وهو ما يجعله عرضةً لتقلبات النمو والاختلالات الكبيرة في الاقتصاد الكلي. وفي المقابل، انخفضت الصادرات الصناعية بنسبة 20 إلى 25 % نتيجة استمرار إقفال الحدود البرية بين لبنان وسوريا والأردن والعراق، نتيجة استمرار الأعمال الحربية، ما أدى إلى اعتماد لبنان النقل البحري لصادراته الزراعية والصناعية بكلفة أكبر وكمية أقل، كون الصادرات الصناعية عبر البر كانت تشكل 85% من مجموع الصادرات. وفي هذا المجال، قام مصرف لبنان باتخاذ مبادرة لدعم القطاعين الزراعي والصناعي، إذ قرر خفض نسبة الاحتياطي الالزامي للمصارف التي تمنح قروضا مدعومة للشركات التمويلية التي تصدر 50 % على الأقل من إنتاجها.

وبالنسبة إلى القطاع العقاري، فقد حقق تراجعاً بلغ ح 20%، مع العلم أن القطاع العقاري يعاني في لبنان نتيجة فرض المزيد من الضرائب عليه ونتيجة عدم إقبال اللبنانيين العاملين في الخليج وإفريقيا على شراء الشقق في لبنان.

وفي تقرير لوزارة الصناعة في حزيران 2017 تتصدر البطالة حالياً قائمة المشاكل التي يعاني منها المجتمع اللبناني، حيث اشارت وزارة العمل الى ان نسبة البطالة في لبنان وصلت الى 25% في نهاية العام 2015، تحتل نسبة الشباب والشابات 66% منها فيما تبلغ نسبة المهاجرين الشباب 44% من اجمالي عدد المهاجرين. إن لبنان يحتاج سنوياً الى ما يقارب 23000 فرصة عمل جديدة، والسوق المحلي لا يوفر إلا 3800 فرصة عمل تقريباً، وقد جاء النزوح السوري ليزيد الوضع سوءاً بسبب المنافسة القاسية مع العمال اللبنانيين. والجدير بالذكر أن اكثر من 200 الف لبناني فقدوا وظائفهم منذ عام 2011 حتى عام 2016.

وبالنسبة للمالية العامة، لا شك أن أبرز التغيرات في حسابات الدولة ستظهر في ارتفاع الإنفاق الحكومي من 28.3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 30.5% نتيجة زيادة رواتب موظفي القطاع العام والتي تشكل حالياً 36% من مجموع الإنفاق الحكومي بالمقارنة مع 31% سابقاً، وارتفاع الإيرادات الحكومية إلى 21.8% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 19.6% سابقاً على إثر الضرائب الإضافية. وقد ارتفع الدين العام اللبناني بشكل جنوني منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان ليتخطى 77 مليار دولار في نهاية العام 2017، مع مُعدّل وسطي يبلغ 3.1 مليارات دولار أميركي سنوياً. وعلى المستوى النقدي، يذكر أن الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بقيت مستقرة طوال شهر كانون الأول لتقفل على 42 مليار دولار في نهاية العام نتيجة المناخ المؤاتي الذي خيم على سوق القطع عقب رجوع رئيس الوزراء عن استقالته إضافة إلى الفوائد الأكثر جاذبية على الودائع بالليرة اللبنانية. ما يساهم في الحفاظ على سعر صرف ثابت لليرة اللبنانية وعلى الاستقرار النقدي. وقد احتل لبنان المرتبة 105 بين 149 دولة عالمياً على مؤشر الازدهار الصادر عن "معهد ليغاتوم" للعام 2016، وفي المرتبة 10 بين 18 دولة عربية. وأشار المسح الذي قام به المعهد إلى أن التراجع في ترتيب لبنان يعود إلى تدهور في البيئة الاجتماعية والسياسية. ويقيّم المؤشر مدى ازدهار المواطنين على أساس ثرواتهم المادية والرفاه الاجتماعي. وتغطي بيانات المؤشر 104 عوامل متغيرة مصنّفة في تسع مؤشرات فرعية هي: الاقتصاد، وبيئة الأعمال، والحوكمة، والتعليم، والصحة، والسلامة والأمن، والحرية الشخصية، ورأس المال الاجتماعي، والبيئة الطبيعية.

تشير التوقعات في لبنان إلى أن عام 2018 سيكون عاماً اقتصاديا بامتياز في ظل ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي أو على صعيد وضعها على السكة الاقتصادية الصحيحة، أوفي ظل ما يتوقع عن مشاركة لبنان في ملف إعادة إعمار سوريا والعراق. وإذا كان من المبكر الحديث عن حدوث نهوض اقتصادي في لبنان نظراً للانعكاسات السلبية التي تسببها السياسة والتوترات الأمنية الداخلية والإقليمية ، فإن على الدولة والحكومة خصوصاً، واجب توفير المناخ السياسي والبيئة الأمنية اللازمة لجذب الأموال الاستثمارية من أجل تحسين النشاط الاقتصادي ودفع عجلة النهوض الاقتصادي قدماً نحو الأمام.

(أيمن عمر- باحث اقتصادي)