في الشكل كما في المضمون، بدت الذكرى الـ13 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، في البيال الأربعاء في 14 شباط 2018، فارغة. وجوه كثيرة غابت ومواقف تبددت. لم تكن الذكرى بذكرى، على ما يصفها مشاركون لم يوافقوا على مضمون الإحتفال ومواقف الرئيس سعد الحريري. همس كثير، وفي بعض الأحيان يرتفع الصوت الإعتراضي، للإشارة إلى أن الذكرى تحولّت إلى مناسبة انتخابية، وحصرت بتيار المستقبل أو بالجمهور السني بشكل خاص، وفق مقتضيات الحريري وحساباته السياسية بعدما كانت ذكرى جامعة لكل الأحزاب والتيارات.

أصرّ تيار المستقبل على إظهار قوته التحشيدية في الاحتفال. الثقل الأكبر كان من الشمال، طرابلس، المنية الضنية وعكار، لما يمثّله هذا الحضور من رسائل أراد الحريري توجيهها، والتأكيد من خلاله أن جمهوره لم يتركه ولن يتخلى عن مسيرة رفيق الحريري. وهذا ما أكده في خطابه، معتبراً أن جمهور المستقبل تعرض لضغوط واتهامات كثيرة، لكنه سيظهر مدى التزامه بخط رفيق الحريري في 6 أيار 2018، عبر كثافة التصويت.

البعض غاب عن الإحتفال بسبب الإعتراض على سياسة الحريري، وعلى حصر الذكرى بمفهوم الحزبية والعائلية. فيما هناك من لم يحضر لأسباب سياسية تتعلق بإبرام الحريري تسوية مع حزب الله والتيار الوطني الحر. فيما أحيط الحريري بالوزيرين السابقين سليم جريصاتي والياس بوصعب. وهو مشهد كفيل وحده بإظهار إفراغ الذكرى من مضمونها. بالنسبة إلى الحريري، لم يعد من داع للتجييش السياسي على قاعدة توجيه الإتهامات وتصفية الحسابات. هذه حسابات المزايدين الذين يدعون مواجهة حزب الله والنظام السوري، لكنهم يواجهون تيار المستقبل. وما يفعلونه ليس غير إضعاف صوت المستقبل لمصلحة تقوية حزب الله.

أظهر الحريري براغماتية في التعاطي، مع احتفاظه بالنبرة التقاربية مع جمهوره. حاول مخطابتهم بلغتهم، لكن وفق الرؤية السياسية التي يسير عليها منذ دخوله التسوية الرئاسية. غابت الطموحات السياسية الكبرى والاستراتيجية، لتحضر مكانها طموحات خدماتية وإنمائية. الفرق بدا شاسعاً. والهوّة أخذت في الإتساع بين الحريري وحلفائه القدامى. فيما راهن كثيرون على عدم تضييع رئيس حزب القوات سمير جعجع فرصة المصالحة مع الحريري في الذكرى، إلا أن غيابه أظهر حجم الأزمة الصامتة بينهما. إلى غياب جعجع، سجّل غياب كثيرين، فيما حضر آخرون وغادروا، مثل ممثل رئيس حزب الكتائب الوزير السابق آلان حكيم، الذي لم يجد مقعداً مخصصاً له، فقال: "عيب عليهم". غادر أيضاً النائب نديم الجميل، مي شدياق، ميشال معوض للسبب نفسه، بعكس السنوات الماضية.

ارجاع عدم تخصيص المقاعد إلى أخطاء بروتوكولية فهم على أنه رسالة تعمد فريق الحريري إيصالها بهذا الشكل القاسي، كردّ على كل ما تعرّض له الحريري من معارضي التسوية طوال السنة الماضية. وبالتحديد أراد الحريري الردّ على مهاجمات النائب سامي الجميل في مجلس النواب. فكان الردّ مدوياً.

انطلق الحريري من الواقعية في خطابه، لكنه لم يستكملها حتى النهاية. إذ اعتبر أنه لا يمكن أن يتحالف مع حزب الله، فيما هو يجلس مع الحزب على طاولة مجلس الوزراء، ويشاركه إدارة شؤون العهد، الذي صنعته تسوية غير مباشرة بين الطرفين. سجّلت إنتقادات كثيرة لمواقف الحريري هذه، والوصف الأدق لها كان بأنها لزوم المعركة الانتخابية. فيما علّق أحدهم أن الحريري كسب الرئاسة وخسر الموقع، ربح الذكرى وأضاع معناها. وهو سيحتفظ برئاسة الحكومة وكتلة نيابية، مقابل خسارة تيار واسع من الجمهور اللبناني غير المنتمي إلى التيار الأزرق. ربح الحريري تطوراً في فن مخاطبة جمهوره وإقناعه، وفي تقديم خطاب سياسي يرضي الحليف والخصم، لكنه فقد ما أكسبه موقعه. هكذا، كان يعلّق مراقبون رفضوا المشاركة في الذكرى، لكي لا يحصل معهم ما حصل مع من لم يجد كرسياً يثبت حضوره عليه.