المشروع الوطني الذي أطلقه الرئيس رفيق الحريري إصطدم بمشروع قوى الأمر الواقع الذي يحمل أبعادًا إقليمية لها علاقة بمصالح واستراتيجيات الدول التي تدعم هذه القوى ماليًا وعسكريًا وسياسيًا
 

في الذكرى السنوية الثالثة عشر لإغتيال الرئيس الأسبق لحكومة لبنان الشيخ رفيق الحريري واحتفاءًا بهذه المناسبة الأليمة يقتضي الوفاء والإنصاف، استحضار بعضًا من الإنجازات التي قدمها الشهيد للبلد طوال الحقبة الزمنية من تاريخ لبنان والتي أمسك خلالها بمفاصل القرار فيه. 
ومهما قيل فيه مدحًا أو ذمًا تبقى الحقيقة الساطعة التي لا يمكن طمسها، هي أن رفيق الحريري إستشهد على مذبح الحرية والسيادة والإستقلال ودفع حياته ثمنا للمشروع الوطني الكبير الذي حمله ويهدف إلى إعادة بناء الوطن الذي مزقته الحروب الأهلية التي كانت تستعر بنيران الطائفية والمذهبية حينا وبنيران الإرتدادات الإقليمية والدولية على الداخل اللبناني أحيانًا أخرى، وهذا قدر الكبار الذين يحملون هم الوطن ويقدمون التضحيات الجسام على مستوى القضايا الكبرى التي يحملونها، وكان قدر الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يحمل القضية الكبرى، قضية الوطن وبنائه ببشره وحجره، فكان الثمن الذي دفعه كبيرًا بحجم القضية الكبيرة التي حملها. 

إقرأ أيضًا: العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي
فالحرب الأهلية التي اجتاحت البلد من أقصاه إلى أقصاه، وفي ظل الهيمنة السورية التي تسلطت على كافة مرافق الدولة ومكوناتها المؤسساتية والمالية والإجتماعية والإقتصادية فضلًا عن الأجهزة العسكرية والأمنية وسلبته كافة موارده وصادرت قراره السياسي، وبالتالي فإن هذه الحرب البغيضة التي دمرت كل مقومات الدولة ومعظم البنى التحتية في البلد وذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى، وقتلت الروح الوطنية والإنسانية في وجدان المواطن اللبناني وقطعت أوصال الوطن وحولته إلى محميات طائفية ومذهبية تتحكم بقرارها تنظيمات وميليشيات وأحزاب مسلحة أفرزت زعامات قادت المعارك والحروب هنا وهناك بعناوين وشعارات براقة، واستمرت هذه الحرب ما يقارب الخمسة عشر عاما إنتهت بوثيقة الوفاق الوطني "إتفاق الطائف" التي تم إنجازها برعاية عربية وتوافق إقليمي - دولي، حيث لعب الشهيد رفيق الحريري دورا بارزًا وتوافقيًا بين الأطراف اللبنانية المتنازعة ومؤثرًا في تقريب وجهات النظر بينهم وتم التوصل إلى هذه الإتفاقية في مدينة الطائف السعودية في العام 1989. 

إقرأ أيضًا: الخلافات الداخلية تطغى على العداء لإسرائيل
وبدأت مسيرة السلم الأهلي وبدأت رحلة الشهيد الحريري الشاقة والمتعثرة بسعيه لترجمة مشروعه الوطني على أرض الواقع والهادف إلى إعادة إعمار ما هدمته الحروب ولملمة أوصال الوطن المتقطعة وإعادتها الى حضن الدولة المركزية مستخدما شبكة علاقاته العربية والدولية ودائرة معارفه الواسعة عالميًا لخدمة بلده، وقد إستطاع رغم العراقيل الشائكة التي واجهته من أخصام السياسة أن ينطلق بمسيرة الإعمار لبناء الوطن لبنان الجديد، لبنان المستقبل المتحضر، وبدت لمساته واضحة في كل مرفق من مرافق الدولة وبصماته ظاهرة للعيان ونتلمس آثارها في المطار والمرفأ وفي الجسور والأنفاق وفي المستشفيات والمدارس وفي الشوارع والأوتسترادات، وفي كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ودوائرها وفي كل جهاز من أجهزتها حيث تم بنائها على أسس عصرية حديثة وبأفكار حضارية متطورة تواكب النهضة العلمية التي تجتاح العالم. 
إلا أن المشروع الوطني الذي أطلقه الرئيس الحريري إصطدم بمشروع قوى الأمر الواقع الذي يحمل أبعادا إقليمية لها علاقة بمصالح واستراتيجيات الدول التي تدعم هذه القوى ماليًا وعسكريًا وسياسيًا، وسعى الشهيد من خلال مواقفه أن يجنب البلد الإنزلاق في آتون أي فتنة، داعيًا جميع الأطراف للإلتفاف حول مشروعه الوطني الذي يؤمن الإستقرار والأمن للبلد والرفاهية للمواطن، وكذلك فإن هذه المواقف كانت تكلف الشهيد الحريري أثمانًا باهظة طيلة فترة رحلته في الحكم إلى أن توجها بتقديم أغلى ما يملكه الإنسان وهي الروح حيث سالت دمائه على مذبح الكرامة والعنفوان اللتان كانتا تشكلان جزءًا من شخصيته الكبيرة.