تعود الذكرى المؤلمة بكل ما رمزت إليه في ذلك اليوم، فليس أكثر من الاغتيال تعبيراً عن الكراهية في عيد الحب. وبعيداً من هذا الرمز الذي لا يزال يختصر الكثير من المتغيّرات، تعرّف اللبنانيون خلال اثنتي عشرة سنة، بانتماءاتهم كافة، الى واقع نظامهم ودولتهم ومؤسساتهم وقضائهم، فانقسموا بين لبنانَين: واحدٌ يبرّر الجريمة ويقبلها ضمناً ويعرف مَن هندسها وارتكبها لكنه لا يريد لأي عدالة أن تقتصّ منه، ولو لم يكن الأمر في كنف محكمة دولية لما أمكن أي قاضٍ في محكمة محلية أن يصدر قراراً ظنّياً يسمّي فيه متهمين من “حزب الله”. أما لبنان الآخر فرفض الجريمة وأصرّ على أن تأخذ العدالة مجراها مهما طال الزمن، لكنه استمر يدفع ثمن الاغتيال بوقوع الدولة في فخ النظامين الايراني والسوري وما لذلك من تداعيات على استقرار البلد وأمنه واقتصاده.

لا شك في أن الذكرى هي الرجل، ومنذ زمن لم يعد رفيق الحريري يخصّ ذويه أو تياره فحسب، كذلك رفاقه الذين استشهدوا معه أو بعده، بل أصبحوا حالة أو حتى فكرةً تختزل لبنان الساعي الى التنمية والنهوض في مواجهة مَن باعوا البلد للمشروع الايراني ولا يعنيهم أن يكون هناك سلم أو تعايش أهلي. لقد اغتالوا رفيق الحريري لأنه كان عقبة أمام ذلك المشروع، فنهجه السلمي ومفهومه للمصلحة الوطنية وتسلّحه بالقوة الناعمة جعلت منه خصماً أكثر خطورة من أي قوة مسلحة. في اللحظة التالية لغيابه شعر الناس بأن سيف الارهاب أصبح مصلتاً، لأن من يقتل رجلاً لأنه وطني ومسالم وصاحب رؤية تنموية، ولديه فوق ذلك شبكة علاقات دولية، يعني أن أحداً لن يكون بمنأى عن المصير نفسه إلا اذا اختار أن يكون صديق القتلة وخادمهم المطيع ومروّج أكاذيبهم لتبرئة ساحتهم، لكن وصمة العار ستطاردهم وسترتدّ على أتباعهم.

بالطبع كانت “ثورة الأرز” وفعلت ما فعلت من تسريع للانسحاب السوري. كانت تلك آخر انجازات رفيق الحريري للبنانيين، قبل أن يشرع “لبنان القتلة” في تخريب تلك الثورة سواء بتأجيج الصراع الطائفي أو بإحداث شرخ بين أقطابها، الى حدّ أن التفاهم بين “حزب الله” و”التيار العوني” لم يكن له في أي مرحلة مغزى وطني لمصلحة الدولة والمؤسسات، أو حتى تعايشي يخاطب مكوّنات المجتمع كافةً، بل كان ولا يزال أقرب الى صفقة لتبادل الخدمات والمنافع بين “الحزب” و”التيار”. فعلى سبيل المثال، فرض “الحزب” رئيس “التيار” رئيساً للبلاد، وفي أول فرصة سنحت للرئيس قال إن “الحزب” وسلاحه ضرورة للبنان لأنه أقوى من الجيش. المثال الآخر ما يُتداول تباعاً عن “النأي بالنفس”، أو سواه من السجالات التي تؤكّد سيطرة “حزب الله” على الدولة، ما يعني أنه تمكّن من المضي في المشروع الذي بدأه باغتيال رفيق الحريري.