الراسخ في الموقف الإيراني هو ما قاله الرئيس حسن روحاني عن استعداد إيران للدفاع عن أمن المنطقة وحمايتها، وهو يقصد سياسة المرشد في استئجار الدول وجيوشها من الباطن
 

من غير المعقول أن تتداول وزارة الدفاع الأميركية خبر استخدام أو استحواذ ميليشيات إيرانية تابعة لما يسمى بالحشد الشعبي على دبابات من نوع إبرامز كانت ضمن صفقات تسليح القوات النظامية في العراق، باعتبار العقود مع دولة مستقلة وذات سيادة.

دهشة الولايات المتحدة الأميركية من تسرب دبابات إبرامز واستغرابها من امتلاك الميليشيات معدات عسكرية ثقيلة، لا يمكن أن يكون الهدف منهما الإقرار بالمعلومة بعد التأكد منها وتحليلها وفق البيانات وشهادات الميدان.

المعلومات المتيسرة في الشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي وصور المراهقين من المتطوعين في الميليشيات مع أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الأميركية الصنع وقصصهم منذ سنوات تدحض علامات التعجب عند محللي الاستخبارات الأميركية ومتابعتهم النشيطة التي لا نشك فيها، لكن أهمية الخبر ربما تكمن في التوقيت السياسي.

صنف الميليشيات الذي تستغرب أميركا امتلاكه لدبابات إبرامز هو جزء شرعي من القوات النظامية في العراق ومرتبط بأوامر القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، وتطبيق لقانون الحشد الشعبي الذي تم تمريره بموافقة ومباركة الكتلة الإيرانية الأكبر في برلمان العراق.

أول ظهور لتلك الدبابات كان في جرف الصخر أو جرف النصر كما تسمى بعد تجريف المنطقة من أهلها وتدميرها على غرار ما جرى من نصر في الموصل القديمة والمدن الأخـرى لذات المبررات وبـذات النتائج.

الحشد الشعبي، أو صنف الميليشيات في القوات النظامية، يمتلك السلاح الأميركي وله حصة مخصصة في وزارة دفاع حكومة العراق من جميع العقود المبرمة للتدريب أو لتوريد الأسلحة بما فيها سلاح الطيران.

تجهيزاتهم ليست عشوائية كما يروج لها بعضهم لإضفاء طابع البطولة وتبرير امتلاكهم للأسلحة في خوضهم لحرب عصابات وهمية ضد القوات الأميركية بما ينتج عنها من غنائم حرب يمكن إجمالها “فقط” بالرشاشات الخفيفة والمتوسطة والعملاقة وببنادق القنص وقاذفات القنابل والمدافع والهاونات والنواظير الليلية والعربات المصفحة والمدرعة ومضادات الكمائن وناقلات الأشخاص، ومعدات أخرى ذات صلة بالأعمال الحربية ولجبهات حرب واسعة.

صنف الميليشيات في القوات المسلحة هو أكبر الصنوف تسليحا، فمعظم تجهيزات الجيش العراقي السابق في حوزته، وكذلك ما تهبه حوزة تنظيم الدولة الإيرانية وقوات الحرس الثوري كجزء من حصة تجهيزات فيلق القدس؛ لأن صنف الميليشيات في العراق يحظى باهتمام بالغ ومباشر من المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن الصلة بينه وبين القادة الكبار في الميليشيات العسكرية والسياسية تلقى اهتماما خاصا من الجنرال قاسم سليماني الذي تم تعيينه منذ مدة طويلة كمستشار أول لرئيس مجلس الوزراء في العراق لشؤون الأمن.

لذلك في حاضرنا تختلط علينا الدوافع والممارسات والتوقيتات والأخبار المقصودة بنصف سريتها أو غاياتها، كما حصل مع زيارة إبراهيم رئيسي المرشح لخلافة علي خامنئي إلى لبنان وتفقده قواعد الميليشيات الإيرانية والتي سبق أن تفقدها وبذات السرية زعيم ميليشيا من ذراع إيران في العراق وإلى ذات المواقع في الجنوب اللبناني.

الخبر الأميركي ليس ببعيد عن تركيبة هذه الخلطة السحرية في توقيت خبر امتلاك حشود الميليشيات لدبابات إبرامز الأميركية، وكذلك الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع إيرانية وأخرى تابعة للنظام الحاكم في سوريا، وخبر إسقاط طائرة أف 16 وإصابة طائرة أخرى من نوع أف15 بعد هجوم قالت عنه إسرائيل إنه يأتي ردا على خرق طائرة مسيرة إيرانية لأجوائها؛ لماذا تمت مواجهة الغارات هذه المرة؟ رغم أن دفاعات النظام الحاكم في سوريا لم تعترض سابقا على عديد الهجمات الإسرائيلية.

في العراق وبالعودة إلى نقطة صفر احتلال، يبدو النظام السياسي مرتهنا ومعتقلا داخل المنطقة الخضراء الأميركية، فهو من الناحية الشعبية لا يمكنه الاعتماد على سياسة التمني في تغيير النظام القائم قبل الاحتلال الأميركي بانقلاب داخلي أو أي تسمية أخرى بغير عار الوصول إلى حكم العراق بالدبابات الأميركية. وذلك شيء مستحيل، فزمنهم اقترب من 15 سنة في السلطة وزمن الاحتلال الأميركي تداعى له العـراق وبحسابات التجارب العالمية لخمسين سنة قادمة أو ربما أكثر.

هكذا تعلمنا من التاريخ، وحتى في حالات النهوض الاستثنائية في هذا المجال أو ذاك، يبقى عار الاحتلال ينتقص من قيمة العملاء أو من تعـاون معهم ضد الوطن الأم، ولا عجب أن يتوارث هذا العار جيل آخر من الأبناء سيدفع ثمن عمالة الآباء والأجداد؛ فميراث المال لا يلغي أبداً آثار جائحة الخيانة.

عملاء الاحتلال الأميركي، بأحزابهم وكتلهم ومجالسهم وتياراتهم بمرجعياتها الطائفية الإيرانية، كانوا وما زالوا يتمنون ويسعون في نضالهم لتحجيم نفوذ السفارة الأميركية لصالح توسيع نفوذ السفارة الإيرانية لتشمل المنطقة الخضراء شكلا ومضمونا.

حكام العراق تدور في عقليتهم أمنيات أخرى تدخل في صلب السياسة تحاول استبدال الاحتلال الأميركي وبأثر رجعي بالاحتلال الروسي؛ وما يجري خلف نصف الباب المغلق من السرية تبوح به الرغبة في إشهار الفعل دون ضمان، لأن الإشهار بمثابة ظرف فارغ بلا رسالة مضمونة التوقعات في مناورات بعض نتائجها قد يكون وخيما على العراق والمنطقة.

اجتماعات على طاولة إيرانية في العراق تضم أيضا روسيا وسوريا، والعنوان محور المقاومة والممانعة أو المحور الروسي الإيراني وآخرها قبل مدة قصيرة. ولنا أن نتخيل مستجدات الـواقع السـوري من معـركة عفرين ومقترباتها بإعلان التحالف الدولي قصفه لقوات موالية للنظام الحاكم في سوريا وسقوط أعداد كبيرة من القتلى دون ذكر هوية المجموعة القتالية لا من الجانب الأميركي ولا الروسي ولا من طرف النظام أو حتى إيران. فالكتمان واحد والتبريرات الروسية دائما تلقي اللوم على عدم التنسيق معها، أو بعدم علمها حتى بوجود قاعدة إيرانية قرب تدمر كما حدث مؤخرا.

تدمر التي لم تعد تُذكّرُنا بفخامة التاريخ، بل بتاريخ المناوبة في حراسة المدينة الأثرية بين القوات الروسية وتنظيم الدولة. روسيا التي تنكرت لهيمنتها على سوريا عندما صرحت بجهلها بخارطة توزيع القطعات المسلحة على الأرض، أو بتأكيدها على سلامة مقاتليها، أو باقتصار دور منظومات صواريخها الدفاعية المتطورة على حماية القواعد الروسية.

كانت مكافأة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للنظام الإيراني بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل استغلها محور الملالي بإسكات انتفاضة الشعب الإيراني، والتضحية بمجرد طائرة مسيّرة في أجواء إسرائيل، وبالرهان على الجيش السوري والجيش العراقي باعتبارهما عمقا استراتيجيا مع الميليشيا اللبنانية للرد الإيراني على أي خطأ ترتكبه إسرائيل على حد قول علي شمخاني أحد قادة محور المقاومة؛ رغم أننا لم نعد ندري على أي خطأ سيرد لكثرة الأخطاء الإسرائيلية.

الراسخ في الموقف الإيراني هو ما قاله الرئيس حسن روحاني عن استعداد إيران للدفاع عن أمـن المنطقة وحمايتها، وهو يقصد سياسة المرشد في استئجار الدول وجيوشها من الباطن، رغم أن روحاني على اطلاع على أن أصحاب العقود العظمى والكبرى في العراق وسوريا والمنطقة يتواجدون خلـف نصف الأبواب المغلقة وكذلك نصفها المفتوح وحتى ما وراء عقود الملالي أيضاً.

 

حامد الكيلاني