يُحيي لبنان غداً الذكرى الـ13 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، في وقتٍ لم يعد الحديثُ عن افتراق مكوّنات حركة «14 آذار» خبراً إستثنائياً، بل أصبح إجتماعُها هو الحدث.
 

بين 14 شباط 2005 و14 شباط 2018، مرحلة زمنيّة قصيرة، لكنّها حافلة بالأحداث والتطورات السياسية التي بَدّلت وجه المنطقة. كُثرٌ اعتبروا أنّ الاغتيال الكبير الذي وقع مهّد للتغيرات النوعية، وآخرون رأوا فيه عاملاً ساعد في تحريك الشارع العربي خصوصاً أنّ ربيع بيروت الذي انطلق بعد استشهاد الحريري كان مؤشراً لبداية الربيع العربي.

ويؤكّد مَن راهن على ثورة الأرز، أنّ ما يدعو إلى الأسف، هو أن لا ربيع بيروت وصل الى خواتيمه السعيدة، ولا الربيع العربي وهو انحدر نحو العنف والدمار والإرهاب وتفتيت الدول، لتسلك الثوراتُ الشعبية طريقاً مغايراً لأهدافها التحرّرية التي انطلقت من أجلها.

لبنانياً، لم يعد مصطلح «14 آذار» صالحاً للاستعمال بعدما تبدّلت التحالفاتُ السياسية إثر إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأوّل 2016. «لقاء قرنة شهوان» الذي شكّل الرافعة والنواة لانطلاقة «ثورة الأرز» اختفى من مشهديّة الحياة السياسية، وتفرّق أركانُه، فمنهم مَن رحل، ومنهم مَن إعتزل السياسة، وآخرون يصارعون من أجل البقاء، وشخصيات تحاول الحفاظ على دورها، فيما الخلافات مستعرة بين الجميع.

وقد يكون كلامُ منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» سابقاً فارس سعيد عن انتهاء علاقته بالرئيس سعد الحريري أبلغ تعبير عن الحال التي وصلتها العلاقة بين أركان «ثورة الأرز».

لم يُبصر يوم 14 آذار النور لولا 14 شباط، وما رافقه من توحيد للقوى الإستقلالية، لكن بعد هذين المنعطفين، مرّت قوى «14 آذار» بثلاث مراحل أثّرت في دورها وتوازنها.

تلقّت «14 آذار» الضربة الأولى بخروج «التيار الوطني الحرّ» من التحالف العريض، وخوضه إنتخابات العام 2005 منفرداً، من ثمّ ذهابه بعيداً في العلاقة مع «حزب الله» بعد توقيع «تفاهم مار مخايل» في 6 شباط 2006 وتصنيفه في خانة الحليف للمحور السوري- الإيراني. أما الإنتكاسة الثانية فكانت أحداث 7 أيار 2008 وما تبعها من إرتداداتٍ سياسية أدّت الى خروج رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط من صفوفها، وإعادة تموضعه. فيما سجّلت المعركة الرئاسية منذ تشرين الأول 2015 الضربة القاضية التي أدّت الى ضياع هذه القوة وتشرذمها.

ولا يزال البعض، خصوصاً «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، يراهنان على إمكان فسخ تحالف «التيار الوطني الحرّ» مع «حزب الله»، وتمركز التيار العوني في دائرة الوسط، وقد كان كلام رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل وإنتقاده تصرّفات «حزب الله» في الداخل وعرقلته مسيرة بناء الدولة مؤشّراً راهَن عليه البعض من أجل تحقيق هذا الهدف.

لكنّ الحقيقة تُظهر يوماً بعد يوم مدى قوّة التحالف بين «الحزب» و»التيار»، فـ»حزب الله» يحتاج الى الغطاء المسيحي، خصوصاً في معركته الإقليمية الكبرى، بينما يستعمل «التيار» عضلات «حزب الله» لتحقيق مكاسب داخلية في معركة الصراع على السلطة.

وبالنسبة الى التحالفات التي قدّ تنشأ في الإنتخابات النيابية المقبلة، فهي تحالفات إنتخابية وترتدي طابعَ الحفاظ على التوازنات داخل السلطة، خصوصاً أنّ تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» ليسا بالتيارَين الإديولوجيَّين، فلو كان عنوان التحالف هو الشعارات التي طالبت بها جماهير «14 آذار» مثل «العبور الى الدولة»، وهو الشعار الذي رفعته قوى «14 آذار» عنواناً لمعركتها الإنتخابية عام 2009، لكان دار الكلام عن إعادة جمع القوى التي شُكّلت يوم 14 آذار.

ويقابل نجاح تحالف «المستقبل»- «التيار الوطني الحرّ»، إبتعاد قوى أساسية شاركت في «ثورة الأرز»، وفي حال أُبرم تحالف بين التيارَين و»القوات»، فهذا لا يعني أنّ صورة «14 آذار» قد عادت، لأنّ «القوات» لن تتخلّى عن خطابها الذي يطالب بتسليم سلاح «حزب الله» إلى الدولة ووقف تدخّله في الشؤون الإقليمية. كذلك، فإنّ «التيار الوطني الحرّ» لن يُطلق مواقف ضدّ سلاح «الحزب» ويطالب بحلّ المليشيات المسلّحة، بل يعتبر سلاح «حزب الله» مقاومة.

كلّ ما يحصل في الأشهر الأخيرة يضعه البعض في خانة التحالفات المصلحية السلطوية، خصوصاً أنّ «14 آذار» فقدت روحيّتها، والشعب فقَد الثقة في بعض قياداته، والأخطر أنّ هذه القيادات تعلم هذا الأمر وتتصرّف وكأنّها ما زالت في لحظة إنطلاق «ثورة الأرز».