إنه زمن الانتخابات. فُتح باب الترشّح بعد بروفة الميني حرب أهلية التي برهنت على جهوزية الشارع لاستعادة الانقسامات التقليدية التي كان يفترض أن اتفاق مار مخايل قضى عليها.

لكن الوجه الآخر لهذه التمارين، يكمن في الاستياء والغضب الشعبي الكبير من تأرجح السياسيين بين التناحرعلى الحصص مقابل التوحّد في وجه المواطنين المطالبين بحقوقهم.

ربما هذا الاستياء الشعبي هو ما دعاهم الى القيام بالمنازلة الأخيرة، فأرادوا شدّ العصب وإثارة الغرائز، لاستعادة العلاقة المتينة مع ناخبيهم، كي لايحاسبوهم في صناديق الاقتراع؛ فيعيدون انتخابهم كبرهان شكر لاستعادة الطائفة كرامتها.

فهل ستنجح هذه المناورة مع ما حملته من مخاطر!!

تختلف التقديرات حول ردود فعل البيئات المختلفة؛ لكن الاعتقاد السائد أن التغيير قد يطال معظم الطوائف والمذاهب ما عدا الطائفة الشيعية التي ينظر إليها ككتلة جامدة ومتراصة تمسك بها الثنائية الشيعية.

وهنا يطرح السؤال: إلى أي مدى يصح اعتبار "الشيعة" كتلة واحدة؟ وهل حقاً أن أبناء هذه الطائفة راضون جميعهم عن إلصاق هذه الصورة النمطية بهم وجعلهم مجرد رعايا وتابعين؟

وهل كانوا راضين ووجدوا صورتهم في الاستعراض الأخير لشباب "حركة أمل" على الدراجات النارية مشعلين الإطارات ومحطّمين زجاج البنايات والسيارات (ولو كردٍّ على الاتهام بلغة غير مسبوقة من رئيس الدبلوماسية اللبنانية لرئيس المجلس بالبلطجة)!!

هل يمثلهم حقاً مثيرو الشغب هؤلاء!

والمفارقة أن مظاهر القوة المتوهمة هذه، لا تعفي أبناء الطائفة المعنية من العيش تحت خط الفقر أسوة بسائر اللبنانيين، حيث نسبة الفقر المدقع تزايدت لتبلغ أكثر من 30% من اللبنانيين العام 2016 وهي في ازدياد.

لذا من الطبيعي أن تكون العيون شاخصة إلى جمهور الثنائية الشيعية: هل سيحاسب ممثليه السياسيين ام أنه سينساق وراء إعادة انتخابهم كما ترجّح الاستطلاعات؟؟

لقد فرضت هذه الثنائية هيمنتها بدعم خارجي، وأوجدت هوة بين المواطن الشيعي ودولته، وجعلته يعتقد أنه أشرف الناس وأقوى من الدولة. وأبعدته عن تاريخه النضالي، حين كان خزّان الوطنيين في النضال المطلبي وطليعة النخبة الثقافية.

يعلم الجنوبي أكثر مني، كم ابتعد عن تراثه الثقافي والوطني، وكيف نجحت الثنائية الشيعية في فصله نفسياً عن لبنانيته وعن الثقافة الدينية التقليدية والمتسامحة والرافضة للظلم والاستبداد لأنها عانت منهما في ماضيها.

لا يختلف اثنان على أن الوضع في لبنان هو في أسوأ حالاته، والمواطن اللبناني، في كل مكان، يعاني الى جانب الفقر، من النقص في الخدمات، ومن الماء والكهرباء والطبابة والطرقات وتدهور التعليم، إلى جانب التدهور البيئي الخطير المنعكس أمراضاً مميتة.

ماذا يستفيد أي مواطن عندما تكون طائفته قوية وهو ضعيف؟

زعماء طائفته أثرياء وأصحاب ثروات هائلة وهو فقير؟

طائفته قوية وهو مطمور بالنفايات؟

طائفته قوية وهو مريض وليس لديه ثمن الدواء؟

طائفته قوية وأولاده يحتاجون إلى مدرسة لائقة؟

الأموال مكدسة في البنوك واقتصاده سينهار؟

كل هذا بسبب الفساد الممأسس والمنفلت من عقاله من دون رقابة أو محاسبة. فكيف يمكن أن يحاسب الناخب الممسوك بحبل الزبائنية وولائه الطائفي!! انه ملجوم عن المحاسبة أيضاً.

فليسأل المواطن نفسه:

إذا مرض طفلك بمرض خطير ونادر وفشل طبيبك في علاجه، هل ستظل على نفس الطبيب؟ أم أنك ستبحث عن أفضل طبيب من دون أن تهتم بطائفته أو مذهبه؟

الوضع في لبنان غير قابل للاحتمال. إن سلطة عاجزة عن حل مشكلة نفاياتها التي صارت تهدد حياة اللبنانيين، هي سلطة لا تستحق الاحتفاظ بها.

وعندما تكون الأمور جليلة والمخاطر عظيمة، فإننا نتوخى الكفاءة والنزاهة فيمن نتوجه إليه.


وحياة أطفالنا بيد الدولة. أليس علينا، إذن، أن نفكر جدياً بنوعية وكفاءة هذه الدولة؟ لا يمكن أن تكون دولة ناجحة إن كانت فيها المناصب تابعة لغير الكفاءة والمقدرة.

والأمور بأيدي الناخب ليختار من يمثله ويؤمّن له الحقوق من دون أن يرهنه لأي طرف خارجي.