يركزّ لبنان جهوده على توحيد الموقف من تطورات الوضع في الجنوب. ففي موازاة التطورات العسكرية التي شهدتها سوريا قبل أيام، لدى لبنان تطورات هامة تنتظره مع زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، الخميس في 15 شباط. يعمل لبنان على أكثر من جبهة. من حماية النفط وتوفير مظلّة آمنة للبلوك رقم 9، إلى مواجهة العقوبات المالية والضغوط السياسية الأميركية، وإيجاد حلّ لأزمة الجدار وتخطّي الإسرائيليين للخط الأزرق.

يرفض لبنان الوساطة الأميركية التي بدأت مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد، ويعتبر أن واشنطن لا يمكن أن تلعب دور الوسيط بسبب موقفها الداعم لإسرائيل والضاغط على لبنان من خلال حزب الله. وفيما تنطلق التحركات الأميركية من قاعدة تكريس مبدأ تقاسم النفط مع إسرائيل، يسعى لبنان إلى مواجهة ذلك بقرارات صارمة، وباظهار الدلائل على الإعتداءات الإسرائيلية. وهذا ما شكّل محور الاجتماع الرئاسي في بعبدا، الاثنين في 12 شباط 2018، حيث أكد المجتمعون حرص لبنان على سيادته وعدم المسّ بها، بالإضافة إلى عدم التنازل عن حقّه لا برّاً ولا بحراً. هذا الموقف سيكون موحداً بين الرؤساء الثلاثة خلال لقائهم بالوزير الأميركي.

ووفق المعلومات، فإن زيارة الوزير الأميركي لن تنحصر في مسألة النفط والوضع في الجنوب، لا بل ستكون أشمل لتطال مواضيع ذات صلة بالتطورات الإقليمية، خصوصاً أن تيلرسون يزور لبنان من ضمن جولة على دول المنطقة. سيحاول تيلرسون إقناع اللبنانيين بمبادرة ساترفيلد لتسوية الأزمة مع إسرائيل. ما سيجعل المفاوضات معقّدة مع الوزير الأميركي، خصوصاً في ظل تشعّب النقاش ليطال مسألة سلاح حزب الله ووجوده جنوب نهر الليطاني، أي في المناطق التي وضعها القرار 1701 في خانة المناطق منزوعة السلاح. 

ثمة في لبنان من سيقول للوزير الأميركي إن الإعتداء الإسرائيلي أو الدخول على خطّ النفط، سيعزز التمسك بسلاح حزب الله، لما سيشكله من رادع أمام هذه المطامع. وهذا الكلام من شأنه تصعيد المفاوضات أكثر من قبل الأميركيين، الذين يحملون كثيراً من رسائل التحذير للبنان، خصوصاً لجهة أن أي خطأ عسكري على الحدود قد يؤدي إلى إندلاع حرب مدمّرة.

بالتالي، لتجنّب أي تصعيد عسكري على الحدود الجنوبية، وإنطلاقاً من عنوان الحفاظ على إستقرار لبنان الذي ترفعه واشنطن، سيشدد تيلرسون على ضرورة الضغط على حزب الله للإلتزام بالقرارات الدولية، والعمل على التطبيق الفعلي للقرار 1701، فيما يعتبر الأميركيون أن أي ضربة عسكرية ضد الحزب ستعمل على تقويته. لذلك، يفضّلون العمل على الضغط عليه عبر العقوبات المالية التي ستتشدد أكثر فأكثر في الفترة المقبلة.

في موازاة الإستعداد الأميركي للعب دور الوساطة حول النفط والجدار، تشير مصادر متابعة إلى أن الأميركيين سيضغطون على اللبنانيين للإلتزام بذلك، تجنبّاً لأي توتر على الحدود قد يدفع الشركات المنتجة للنفط إلى الخوف من بدء أعمالها. على هذا يرتكز الضغط الأميركي للوصول إلى تسوية تريدها واشنطن لحل هذه الأزمة، شرط أن لا تشمل هذه التسوية سلاح الحزب، أو الخروج عن القرار 1559، الذي لا يترك الأميركيون فرصة إلا ويذكّرون به.

لا شك أن هناك تناقضاً أميركياً في التعاطي مع الملف اللبناني. أو ربما هو عدم وضوح في الرؤية الأميركية للوضع في لبنان والمنطقة ككل. ويستبعد بعض المراقبين القدرة على الفصل بين الحفاظ على الإستقرار والضغط على حزب الله وسلاحه. ويرى هؤلاء أن هذا النوع من المساعي الاميركي غالباً ما يعقّد الأمور ولا يصل إلى نتيجة، سوى مراكمة النتائج المتناقضة، التي تزيد الأمور تعقيداً، من دون إيجاد طريق لحلّها.