اذا صدقت النيّات، يُفترض أن يتمّ فتح دورة استثنائية في المجلس النيابي لمناقشة موازنة العام 2018، والتي يُفترض ان تكون الحكومة درستها وحولتها الى ساحة النجمة. هل سيتم انجاز هذه المهمة، وما المأمول من أرقام هذا العام؟
 

في المشهد الداخلي، هناك ضجيج حول التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر «باريس-4»، والبعثات الدولية تكثّف زياراتها الى بيروت لمناقشة هذه التحضيرات، واستشفاف ما تمّ انجازه على مستوى الاصلاحات المالية المطلوبة، وعلى رأسها موازنة اصلاحية تبدّل في المشهد القاتم للمسار المالي الانحداري الذي سلكته التطورات حتى الان.

في المشهد الخارجي، تبرز فرنسا كرأس حربة في الترويج لانعقاد مؤتمر الدول المانحة. ويتصرّف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على أساس أنه رأس حربة في عملية إنجاح المؤتمر، وهو كان يريد من الدولة اللبنانية ان تسهّل عليه مهمته من خلال تنفيذ عدة خطوات من ضمنها إقرار موازنة للعام 2018، تعكس جدية السلطة في بدء مسيرة وقف الهدر، وبدء الاصلاحات.

ولكن حتى الان، لم تضع الحكومة بين يدي الرئيس الفرنسي أية ورقة رابحة، حتى انه اضطر الى الاكتفاء بورقة «ماكينزي». وفي هذا السياق، يُنقل عن وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، ان لقرار تكليف «ماكينزي» فائدتين اساسيتين: اولا، ان اي خطة يضعها طرف سياسي سيعارضها الطرف الآخر الخصم في السياسة بصرف النظر عن مضمونها وجدواها.

وهذا الامر يُفترض انه لن يحصل مع «ماكينزي» لأنها ليست طرفا سياسيا داخليا. ثانيا، ان ماكرون تسلّح بورقة قرار الحكومة اللبنانية تكليف «ماكينزي» وضع خطة اقتصادية للبنان، لكي يحاول ان يقنع الدول المانحة بجدية السلطة اللبنانية في اصلاح الوضعين المالي والاقتصادي.

لكن، وبصرف النظر عن ملف «ماكينزي»، تطالب الدول المانحة باقرار موازنة 2018 لتكون المستند الرسمي الذي على اساسه يجري تقديم المساعدات.

لكن مشكلة الحكومة اليوم ان ما تعتبره الدول المانحة ورقة قوة تسمح بتقديم المساعدات للبنان، تنظر اليه الحكومة على اساس انه ورقة ضعف قد تفضح المستور.

ويبدو ان جدلا قام بين أطراف الفريق الواحد: أيهما أفضل تأخير الموازنة الى ما بعد «باريس-4»، والادعاء امام الدول المانحة انه يتم الاعداد لموازنة اصلاحية سيتم فيها خفض العجز، ام الذهاب الى باريس بموازنة شبيهة بموازنة 2017، العجز فيها مرتفع، الى حد انه يستحيل إقناع الدول المانحة بان الحكومة تفعل ما عليها لتغيير المشهد المالي والاقتصادي.

لكن خطة تأجيل الموازنة لم تنجح، بدليل ان البعثات التي زارت بيروت طالبت بالحاح باقرار موازنة، واعتبرت هذا المطلب شرطا ضروريا لنجاح مؤتمر «باريس – 4». وهنا تنبغي الاشارة الى ان قسما كبيرا من ادارات الدولة كان مكربجاً طوال الفترة الماضية بسبب تأخّر الحكومة في الاجتماع لاقرار الصرف وفق مبدأ الاثني عشرية. أما وقد أقر البند، فهذا يعني ان الادارات سوف تنفق حاليا بالقدر نفسه الذي أنفقته في 2017.

وهنا يُطرح السؤال: أين أصبح خفض الانفاق بنسبة 20 في المئة وفق التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة، اذا كان مجلس الوزراء شرّع الانفاق من دون تخفيضات؟ وماذا سيبقى من موازنة 2018 اذا أقرت بعد مرور بضعة أشهر، ألا تصبح شبيهة بما جرى في موازنة 2017، أي مجرد كشف حساب متأخر عن الحسابات، وليس خارطة طريق للانفاق، وهي واحدة من الوظائف التي يُفترض ان تؤديها الموازنات.

في الاستنتاج، سواء أُقرت الموازنة قبل انعقاد مؤتمر باريس-4 ام لا، بات واضحا ان العجز المقدّر فيها لن يكون أقل من 5 مليارات دولار، بما يؤشّر الى استمرار التدهور والجنوح نحو المنحدر. أما نتائج باريس-4، في حال انعقاده، فانها ستكون متواضعة. وسيكون على اللبنانيين مواجهة الأزمة الفعلية بعد انقشاع الرؤية عقب الانتخابات النيابية، حيث ستكون الصدمة اكبر، لأنه لن تبقى امامهم تغييرات سياسية محتملة يمكن ان يراهنوا عليها للانقاذ.

تبقى أخيرا اشارة الى ان اطلاق تسمية «سيدرز» على مؤتمر الدول المانحة ليس موفقاً، لأنه ينزع «الطربوش» الفرنسي عن المؤتمر، وهذا غير مُنصف، لأن فرنسا ورئيسها يقفان وراء احتمال انعقاد المؤتمر، ومن دون هذه الحماسة والتغطية لما كان هناك أمل في انعقاده. وأضعف الايمان في هذه الحالة، أن نحفظ لفرنسا الجميل، وأن نمتلك الجرأة للقول شكراً.