يبدو أن نشوة النصر بإسقاط طائرة إسرائيلية تستلزم تحليلاً عنترياً يضع العدو في خانة الضعيف و الخائف
 

يعتقد الكثيرون من الملتزمين بمحور المقاومة بأن الطائرة الاسرائيلية التي سقطت ولأوّل مرة في سورية بصاروخ إيراني قد أسقطت الحرب المحتملة والتي تتمناها اسرائيل كونها ستتيح توازنات جديدة لا في سورية ولبنان بل في المنطقة الآيلة للسقوط في المحور الذي تقوده إيران خاصة بعد نجاح الجيش الشعبي في العراق وسيطرة فرق المقاومة على أكبر مساحة في سورية وإمساك حزب الله بالسياسة اللبنانية وصمود أنصار الله في اليمن وعودة حماس الى حضن إيران مجدداً وفشل التحالف العربي ضدّ إيران وعدم تنفيذ أميركا رؤية ترمب من الاتفاق النووي وبُعد تركيا عن دول الخليج وعن مواقف الجامعة العربية وقربها من سياسات إيران في سورية ، كلها عناوين تستدعي اسرائيل كيّ تفعل فعلاً عسكرياً مخرباً لكل ما أنجزته إيران و ما حققته من نتائج لا تصُب في مصلحة اسرائيل ومن يتقاطع معها في الموقف من إيران القوية في منطقة الشرق الأوسط .
من هنا اعتقد المؤمنون بإيران بأن الصاروخ الذي أسقط الطائرة الاسرائيلية قد فرض على اسرائيل الهروب من نيتها في الحرب اذ أنها لم تبدأ بعد وقد خسرت طائرة حربها وبعد وعد روسي بضمانة أمنها من سورية وسلامة طائراتها في المجال السوري وهذا ما أشعر العدو بأن لا خطوط حمر في سورية و بأن إيران قد قررت الردّ على التعديات الاسرائيلية و أنها غير ملتزمة بقواعد اللعبة و أن منازلة اسرائيل بالنسبة لها قد أصبحت بمتناول اليد و أن لا هروب بعد التهديدات الاسرائيلية من الحرب معها هي ومن معها من العراق الى سورية ولبنان وفلسطين طالما أن الحرب هي بحجم المنطقة وحسابات أوسطية وليست مجرد النيل من أهداف عسكرية .
يبدو أن نشوة النصر بإسقاط طائرة اسرائيلية تستلزم تحليلاً عنترياً يضع العدو في خانة الضعيف و الخائف أو ان تجاوز الخطوط الحمراء بإصابة هدف كان ممنوعاً من سورية يفرض منطقاً جديداً مغايراً ومختلفاً عن التصورات القائمة في طبيعة الصراع مع العدو المتفوق لتجعل منه عدواً حذراً من مغبة التورط في معركة خاسرة بعد أن اعتاد على حروب كانت نُزهات بالنسبة له .

إقرأ أيضًا: النهار في الذاكرة اليسارية
المهم ليس ما يتصوره هؤلاء بل هو الحدث نفسه أي أن اسقاط طائرة اسرائيلية بصاروخ ايراني في سورية التي كانت تعد  عند كل اعتداء عليها بالرد على العدوان ولكنها لا تنفذ ، بأن قرار سورية بيد إيران وهي النافذة و الآمرة في المناطق التي تسيطر عليها بعد أن دفعت أثمان ذلك بشرياً و مادياً و أن روسيا مجرد وسيط دولي منحاز لسياسات إيران يعطي بالقدر الذي تعطيه إيران ويحجب بالقدر الذي تحجبه إيران وما إسقاط الطائرة الاسرائيلية  الاّ تأكيد على أن إيران غير ملتزمة بالضمانات الروسية لأمن وسلامة حركة العدو في سورية وهذا ما سيعيد ترتيب التفاهمات الروسية - الاسرائيلية وفق ما هو ممنوع إيرانياً .
لقد اعتبر العدو بأن أفق ما حصل لطائرته ولخسارته دون أفق وهو لا يريد ردّاً موّسعاً وسيلتزم التهدئة بعدم الردّ المباشر ويكون بذلك قد حرص على فهم الرسالة الايرانية جيداً بعدم اللعب بنار الحرب المفتوحة ولكنه سيرد بإصابة أهداف مؤلمة مما يعني أن العدو قد قرر الدخول الى الملعب السوري كلاعب أساسي فيه لا كرديف خاصة و أنه قد لمس النار الايرانية ومدى قربها من أمن الكيان و الأهم من ذلك أنه قد شعر باستعداد إيران لملاقاة اسرائيل في أي حرب ومن موقع الفعل لا من موقع ردّ الفعل وفي هذا تغيير جدي في الاستراتيجية الايرانية من جهة وفي قدرة إيران على خلق جبهات مواجهة جديدة رغم ما تستنزفه على جبهتي اليمن وسورية .
هذا الطارىء قد يكون عارضاً أو بداية اتجاه آخر في فضاء الصراع مع العدو أو نظرة محسوبة جيداً أو غير دقيقة وهي سواء كانت هذه أو تلك لا نستطيع أن نُبسّط الموضوع ولا أن نغالي فيه الى حدّ الاستهتار لذا  فإن الانتظار سيد القراءة الفعلية لحدث الطائرة وظاهرة الصاروخ الذي أصاب الهدف الممنوع وبالتالي فإن دور اسرائيل في سورية هو الذي سيؤكد أو ينفي بقاء الخطوط الحمراء لصالح أمنها .