سرطان النفايات الطائفي ... الحياة السياسية في لبنان بلحظة تأمل منذ امد التاريخ الى يومنا هذا !
 


  
لعل أحدث الأمراض فتكاُ واسرعها قتلا اكتشفت حديثا في لبنان،هذا البلد الوديع سابقا، والمنكوب تاريخيا هو داء النفايات المسرطن ،وهو يفتك بالجملة والمفرق بأبناء هذا البلد... عسى أن تصل الأبحاث السياسية والمباداراة الكاذبة الى نتيجة تنجي العباد وترفع الغمة عن البلاد.
انهم حكام لبنان الفاسدين والمفسدين ،لا يسعنا الا ان نقول لهم ويل لكم من طغيانكم، وغطرستكم، وانتهاككم، لابسط انواع الحرية. ويل لكم على كل استبداد وقتل، ونعرات طائفية ومذهبية وشرذمة وتقسيم تحالفات جديدة، على خطى مبدأ الاستعمار الغربي "فرق تسد"

ولسخرية القدر فداء شعبنا طائفي وعدوته مسرطنة، وقد استفحل المرض العضال منذ زمن في نسيج متحدنا المجتمعي، رغم اكتشاف اكسير الشفاء في مبحث العقلاء. أما استفحال الطائفية القاتلة في بلادنا فله رواية طويلة، فالطائفية لا تقتصر حسب ما يتصور البعض على الوظائف ،او قانون الانتخاب، اوالتزام العقود ،اوتعبئة شغور،او ايجاد حل لمعضلة كرسي الرئاسة،فهي ليست في الدستور فحسب.... بل هي مشرعنة في كل البنية المجتمعية في بلادنا حتى على صعيد السلوك اليومي،والمنهج الدراسي، والتقييم الاخلاقي للمواطن،واصول هذه الشرعنة ارتكزت على نظام الملل في القانون العثماني الحاكم هذه البلاد طولاُ وعرضاُ ردحاُ طويلاُ من الزمن.

عايش اجدادنا الذل كل فترة تسلط الامبراطورية العثمانية !!!حتى جاء العام 1926 فأصدر الكونت دي مارتيل القرار التشريعي رقم 60 الذي نص في مواده الأولى والسابعة والتاسعة على شخصية اعتبارية للطوائف،مما أكسب الشرعية لكل من المدرسة الطائفية ،والتمثيل من قبل المرجعية الطائفية، وللجمعيات والجامعات، والمحاكم، والاندية الطائفية،ومنح السلطة لرجال الدين بالتدخل بالشؤون السياسية والقضائية الوطنية، والبعد كل البعد عن فصل الدين عن الدولة. ثم تكرست هذه الشرعنة بقوانين العام 1951 والعام 1967 وبدأ فعلاُ تغلغل سرطان النفايات الطائفية في كل نسيجنا الاجتماعي، الحياتي -التربوي-السياسي-الاقتصادي،الا ان جاء اخيرا اتفاق الطائف الذي شمل الأطراف المتنازعة في لبنان وذلك بواسطة سعودية في 30 أيلول 1989 في مدينة الطائف وتم إقراره بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول 1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على إندلاعها. والا يومنا هذا لم تتفق هذه الطبقة الفاسدة على تفسيره !!! 

إقرأ أيضا : الصندوق السيادي هو الضمانة لحماية ثروات لبنان ... التجربة النرويجية أبرز مثال

 

 وهذا النظام السرطاني الطائفي المكرس، الذي قوض مبادئ العدالة والمساواة بين الناس في البداية، لم يلبث الا أن تحول الى وباء دمر لبنان في حرب الطوائف، ولم يقتصر الأذى على لبنان فحسب بل دمرالطوائف التي سيجها الطائفيون بالحقد بعضهم على بعضهم الآخر ،الى حد انفجارها من داخلها بحروب الغاء واقتتال كانت الأعنف في هذه الحرب القذرة التي ولدنا فيها وما زلنا نعيشها بعدة اوجه الى يومنا هذا!!!! كان من المفترض من جراء ذلك أن تفقد الطائفية مصداقيتها ،كنظام مشرعن حتى أمام أتباعها، فكيف يتمسك الانسان بالسم المسرطن بعد ان كاد يقتله كأنما ألف جرعاته فأدمن عليها

توقفت الحرب البغيضة في لبنان بقوة الحذاء المفروض على رقاب أمراء الحرب، وليس برضاهم بأعتبار انفسهم اصحاب سلام . وسرطان النفايات الطائفي لا زال متغلغلاُ في كل أوجه الحياة، تهدم وتقوض الولاء الوطني، والانتماء القومي. أغلب الأبواق من مثقفين واحزاب، وتكتلات، تنادي اليوم بإلغاء الطائفية، ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث ترفع السلطة أيضا شعار الغاء الطائفية السياسية بعد اتفاق الطائف...وبعد اكثر من خمسة و عشرون عاما من الممكن ان تطلق على لقاء مدينة الطائف ما شئت ما عدا كلمة " اتفاق "وهرج ومرج في طول البلاد وعرضها وكل واحد منهم يعلم انه لم يصل للكرسي الذي يشغره الا بسرطان النفايات الطائفي، الذي يقوم بزرعه ونقله لاولاده واحفاده في كل فرصة تتيح له ذلك.

البعض يتكلم عن الغاء الطائفية الوظيفية، الاصلاح الاداري، والبعض يتكلم عن الغاء الطائفية من الانتخابات وآخرون من الأحوال الشخصية.وآلاف المشاريع والخطط، والجميع ينادي بإلغاء الطائفية، والجميع ممن كانوا وقود الحرب الأهلية ومروجين دمارها هم اليوم يحاضرون بالعفاف ويتسابقون لإعلان الولاء للوطن أولاُ...ان الغاء الطائفية ليست معجزة، ولا يتطلب مدداُ من السماء اذا ما توفرت المفاهيم السليمة الكفيلة بأنشاء جيل موحد. فالوحدة الروحية للأمة، والوحدة الولائية للوطن، هي جوهر الرسالات الروحانية في بلادنا، والرسالات الروحانية في بلادنا هي نفسها ترفض الولاء للطائفة الضيقة،حزين ومؤلم صمت الحكم الفاسد الرافض للحرية والنهوض في لبنان،هذا الصمت المريب اعلن عن استشهاد هذا الوطن الحزين،واستفحال النقايات الطائفية المسرطنة في كل ادارته ومؤسساته.

كذلك تتجلى لنا المفاهيم الاولية في درس الدولة كمفهوم ،والتي هي قائمة على اساس تعاقد الافراد مع المؤسسة "الدولة" من خلال الولاء مقابل احقاق المصلحة الاجتماعية. ان الغاء النفايات الطائفية المسرطنة  لا يتم أبداُ على أساس ترقيع وتحسين شكل المرض ،بل هو دائما في البناء الاجتماعي السليم، المرتكز على الأصول العلمية لتربية المواطن الصالح، وتعزيز مفهوم المواطنية لدى كافة أبناء بلادنا، فالدولة السليمة تقوم على مجتمع سليم، سليم الوعي والهوية والانتماء.

إقرأ أيضا : العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي

الذين تسقط اجسادهم في عهد الفساد، والطغيان، والظلم من اجل الصراع لتحقيق الافضل، يعيدون بنا بالذكرى لكل شهداء الامة، في اروع ما قاموا به لحقنا في الحرية والحياة العزيزة،وبالطبع لا تقوم حرية الإنسان على القيام بما يريد، بل على إرادة ما تعمل، أي على تحمّل مسؤولية حياته،هذا ما يحققه مبدأ فصل الدين عن الدولة وليس عن الانسان، وليس هذا مشروع هيمنة كما يعتقد البعض من مؤسسة الدولة على الدين، اذ هو مشروع توظيف الدين في المجتمع بما يليق بالدين ويفعله وينشطه ويحفظ استمراره وينزهه، فيصبح الدين هو السد الاول، واللقاح الاول، ضد شرعنة الطائفية ونفاياتها المسرطنة.

وفق الله مسؤولين دولتنا العلية في سد منافذ هذا السرطان الطائفي وهداهم الى الطريق الاقوم والمسار الصحيح . و ياليت ايها الساسة تتذكرون ماذا كتب النبي جبران خليل جبران منذ منذ مئة عام ونيف :
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.