النهار أمام إمتحان عسير أكثر خطورة من السنوات المقطوعة وسيجعل منها مساحة تفاعل بين اللبنانيين
 

لم تكن جريدة النهار بعد الحرب الأهلية منتشرة في الوسط الاسلامي لموقف اليساريين منها باعتبارها لسان البرجوازية اللبنانية وحال الدولة ووسيلة السلطة اليمينية لذا لم نكن نشاهدها في أيادي قرّاء الصحف اذ سيطرت  الصحف الحزبية وخاصة صحيفة السفير باعتبارها النقيض والمنافس القوي لصحيفة النهار بحيث انتهت "المواجهة" بين الصحيفتين الى سيطرة السفير على المناطق الاسلامية والنهار على المنطقة المسيحية وبذلك "تمنطقت" الصحافة بحيث أصبح لكل شارع وسيلته الإعلامية الخاصة بعد تزايد عدد النشرات الحزبية.
نظر اليساريون وتحديداً الجماعة الشيوعية بعين الإدانة لكل من كان يواضب على قراءة صحيفة النهار خاصة من جيل الاقطاع السياسي وتحديداً تلك النخبة الأسعدية التي لم تخلع ثوب الدولة ورفضت دعوات الأحزاب الوطنية الى إسقاط الدولة، لذا كان المداوم على قراءة النهار بمثابة عدو محاصر إجتماعياً ومتهم بوطنيته وكانت شكوك الوطنيين تلاحقه وتبني على أقواله وأفعاله مواقف تصل في أحيان كثيرة الى حدّ التطاول والنيل منه باعتباره خارج عن ملّة اليسار وموال لملّة اليمين اللبناني.

إقرأ أيضًا: حزب الله - باسيل والمفاهيم الملتبسة
بعد الحرب ونهاية مشروع النضال الوطني وولادة المشاريع الطائفية بقيت النهار صحيفة الطائفة المسيحية وأصبحت السفير صحيفة الطائفة الاسلامية الى أن مالت كل الميل لطائفة المقاومة بعد أن مرّت طوعاً بطائفة بطل 6 شباط ومن ثم حسمت أمرها كوسيط اعلامي حصري لمقاومة حزب الله بعد جولات من المواجهة معه طيلة بدايات عمل الحزب و لأسباب كثيرة.
هذا الوعي الذي تأسّس على موقف من النهار غير المحايدة والملتزمة بخيارات السلطة نأى بنا عنها لزمن وقد زاد من حدّة الموقف منها استمرار موقف الاسلاميين منها اذ اعتبروها صحيفة المسيحيين وهذا ما كرس بعداً آخر للعلاقة المأزومة معها بحيث أن اليساريين ومن ثمّ الاسلاميين تقاطعوا عند عداوة النهار كصحيفة لصيقة بتجربة اليمين اللبناني بشقيّها السلطوي والطائفي.

إقرأ أيضًا: حزب الله ومقاومة أميركا في العراق
بعد الطائف بفترات بات المسعى التجاري يفرض نفسه على الصحافة أكثر مما كان عليه قبل الطائف كوسيلة ناطقة باسم السلطة أو المعارضة ربما لاختفاء الممولين، ففي الحروب تفتح الجيوب للوسائل الاعلامية وفي السلم تقفل المزاريب لذا يصبح همّ الصحيفة الاستمرار وتجاوز الأزمات المالية وهذا ما يفتحها على اللبنانيين كمواطنين لا كجمعات وهذا فعلاً ما حصل مع الصحافة اللبنانية التي حاولت التمدد داخل الجسم اللبناني بتقديم خطاب غير فئوي وبأقلام غير فئوية وأصبح قلم الكاتب "المسيحي" أكثر من ضرورة كي يسهم في خرق الحصار الطائفي وكذلك الأمر كان بالنسبة لقلم الكاتب "المسلم" وهنا برزت الصحافة بطريقة مختلفة عما كانت عليه ومن ثمّ عادت الى هويتها الخاصة بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانقسام اللبنانيين الى 8 و 14 وأصبحت الصحافة إمّا من جماعة 8 وإمّا من جماعة 14 وكانت النهار طليعة الثانية والسفير لسان الأولى.
بعد موت الصحيفة الورقية وصعود الصحف الالكترونية انتهى دور الحبر وغاب تأثيره المباشر رغم صمود بعض الصحف التي باتت بلا قرّاء لذهاب الجميع الى التصفح الالكتروني للمواقع الإخبارية، من هنا لم يكن سهلاً صمود الصحافة رغم المعاناة المالية وغياب من تبقى من قرّاء الورق وأن تأتي صحيفة النهار لاستعادة دورها الريادي والطليعي باعتماد الورقية للبقاء وبقيادة جديدة وبماكينة عمل مفتوحة وبرؤية نضالية منحازة للشارع لا للسلطة، لهو تحد كبير وخطوة جبارة كونها تأتي عكس التيّار فنياً وسياسياً وهذا ما سيضعها أمام إمتحان عسير أكثر خطورة من السنوات المقطوعة وسيجعل منها مساحة تفاعل بين اللبنانيين من موقع الإنتماء لقضاياهم الوطنية لا لمشاريعهم الطائفية.