المفارقة هو أن معظم القوى السياسية إن لم تكن كلها تقول بواجب إلغاء النظام الطائفي واستبداله بنظام المواطنة، ولكننا مع الأسف لا نشاهد مصداقية لهذا الشعار على مستوى السلوك والأداء السياسي والانتخابي وفي كل الأحوال فإن هذا الطرح السؤال المعروف والذي يقول أي يجب إلغاؤه قبل الآخر؟ الطائفية في النصوص أم الطائفية في النفوس؟
 

حول الانتخابات النيابية التي تجري في لبنان على اساس طائفي، يقول سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين: “في كل موسم انتخابات يراهن القليل من اللبنانيين على متغيرات تدفع نحو الاقتراب من إلغاء الطائفية السياسية، ولكننا في النتيجة لا نرى إلا نوعاً من تثبيت وتكريس الطائفية. وبكل الأحوال، واذا كانت المقولة السائدة هي انه لا يمكن إلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص، فإننا نرى عكس ذلك وهو انه لا بدّ من إلغاء الطائفية من النصوص كي تلغى من النفوس، وأعتقد أن اللبنانيين لن يكونوا في موقع رفض النصوص الجديدة، لأنها فعلاً ستساعد على التخلص من آثار الطائفية في النفوس، بل إنني أرى أن أكثرية اللبنانيين تريد إلغاء هذه الطائفية التي بسببها لم تقم في لبنان دولة حقيقية يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات”.

ويستدرك السيد الأمين قائلا ” ولكن بما أن أمل إلغاء الطائفية من النصوص ضعيف إن لم يكن مستحيلاً، خصوصاً من الطبقة السياسية الحاكمة التي تثبّت مواقعها على العصب الطائفي، إلا أن اتباع قانون النسبية الجديد في الانتخابات النيابية القادمة يمكن أن يؤدي إلى متغيرات تفسح المجال امام المسار الذي يؤدي إلى استيلاد كيان سياسي بعيد عن الطائفية، مع انه وبشكل عام ليس فيه ما يشجع على الاعتقاد بأن النتائج التي ستنجم عنه سوف تكون مختلفة عن النتائج السابقة، إن لجهة الأشخاص أو لجهة الأحزاب الطائفية، فهي تضمن مكانتها في هذا القانون الذي هو أفضل نسبياً من القانون الأكثري، ولكنه لا يشكل نقلة نوعية في الحياة السياسية، وسنظل نعتبر أن بناء الدولة وفقاً للشروط العالمية لبناء الدول ما زال أمراً بعيد المدى، وإننا نعوّل على الأجيال الجديدة، وعلى درجة الوعي التي بدأت تظهر بصورة نسبية على شكل نقمة واضحة من النظام السياسي القائم، والأمل هو أن يشهد المجلس النيابي الجديد وجوهاً جديدة صادقة في انتمائها الوطني، وأن يكون لهذه الوجوه تأثير إيجابي تجاه مشروع إقامة دولة مواطنة بديلاً عن هذه الدولة التي تتفاقم فيها الأزمات وتغيب الحلول. ومن المؤسف أن هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية لم تصل باللبنانيين إلى حدّ ما يشبه الثورة على نظامهم السياسي، بل ما زال أركان النظام يتمسكون أكثر فأكثر بنظام الطوائف والمحاصصة رغم بعض التعديلات التجميلية التي لا تؤثر في صلب النظام الطائفي، ولكنها تغطي بعض مسائه ولو بصورة خجولة، ونحن ممن يؤمنون بأن هذا النظام إلى زوال وأن الأزمات التي تشهدها المنطقة قد لا تساعد على ثورة شعبية طلباً لتغيير النظام السياسي، ولكن هذه الظروف لا بد أن تتغير، ولبنان لا بد أن يحقق بالنتيجة حلم دولة المواطنة”.

الديموقراطية العربية الغائبة

وعن سؤال الديموقراطية في العالم العربي وتراجعها بعد الثورات العربية يجيب السيد الامين: “على المستوى العربي، لم تعرف الشعوب العربية نظام الديموقراطية بعد، ولكنها منذ أواخر القرن الماضي وبداية هذا القرن بدأت تتفتح في عقول الشباب العربي قضايا الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وقد تم التعبير عنها بما سمّي الربيع العربي، وهذا الربيع قد نبّه الحكام العرب إلى خطورته، فبدلاً من تقديم تنازلات لشعوبهم وجعلها مشاركة في القرار، بدلاً من ذلك ارتدت إلى طبيعتها الدكتاتورية، وأدركت أن كل تنازل تقدمه لشعوبها سوف يؤدي إلى تنازلات أخرى جديدة بحيث لا ينتهي مسلسل التنازلات حتى تزول الأنظمة الحاكمة وتقوم مكانها الأنظمة الحديثة والديموقراطية، وهذا ما يفسر العنف الذي تستخدمه الأنظمة في مواجهة مطالب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وكل ما من شأنه أن يعطي للشعوب في المنطقة دورها الذي تستحقه في القرارات السياسية والاقتصادية والتنموية”.

ويختم السيد الأمين” هذا العنف قد ينجح في تراجع هذه الثورات لفترة من الزمن ولكن ليس على المدى الطويل، لأن من طبيعة هذه الأنظمة أنها عاجزة عن إحداث تغيير شامل في بنيتها وفي سلوكها، فهي ستتشبّث بالاستبداد الذي ستكون نتائجه مزيداً من إصرار شعوب المنطقة على إحداث الثورة المطلوبة، لتجديد طبيعة الاجتماع السياسي بدرجة تشبه إن لم تماثل الدول المتقدمة في عالمها المعاصر.”