كشفت الإحتجاجات الأخيرة أن تيارًا واسعًا وعريضًا من الشباب الإيراني تجاوز في تحركاته المطلبية حالة الإنقسام التقليدي بين المحافظين والإصلاحيين
 

مخطىء من يعتقد أن إيران خرجت من مرحلة الإهتزازات الأمنية الداخلية ودخلت في دائرة الإستقرار بعدما أقدمت الأجهزة الأمنية والبوليسية التابعة مباشرة لنظام ولاية الفقيه على قمع وسحق شرائح واسعة ومتنوعة من الشعب الإيراني انتفضت في إطار حركة احتجاجية جابت معظم الشوارع في أكثر من خمسة وسبعين مدينة إيرانية بما فيها العاصمة طهران طوال الأسبوعين منذ حوالي الشهرين منددة بالسياسة الخارجية التي تنتهجها القيادة في إيران التي تتبنى مشروعًا توسعيًا خارج حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورافعة شعار الإصلاح على المستوى الداخلي بعد أن تغلغل الفساد في معظم الدوائر والمؤسسات في الدولة والذي أرهق الشعب الإيراني وترك أكثر من ربعه يئنون من الفقر ويعيشون في بيوت من الصفيح مقابل ثروات باهظة تقدر بمئات المليارات من الدولارات دخلت في أرصدة المرشد والمحيطين به والمقربين منه. 
وقد وصفت بعض اليافطات التي رفعها المحتجون الولي الفقيه بالديكتاتور، بعدما كان المس بهذا المقام الديني الذي أحيط بهالة من القداسة هو من الذنوب الكبيرة ومسا بالذات الإلهية، ومن الجرائم التي تصل عقوبتها إلى حد الإعدام وتلقي بمرتكبيها في التهلكة وتضعهم في خانة الزنادقة والخيانة والردة. 

إقرأ أيضًا: الشعب الإيراني يحاكم قياداته الدينية
ولم يعد يجدي النظام الإيراني نفعًا وصف هذه الحركة الإحتجاجية بأنها مؤامرة صهيونية أميركية بريطانية كما وصفها الولي الفقيه، أو أن المسؤول عن التحريض على العنف هي وسائل التواصل الإجتماعي كما رأى الأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني. 
فالنخبة السياسية في إيران تقول غير ذلك تمامًا وتحمل خليفة الإمام الخميني (قدس) السيد علي الخامنئي والأجهزة الموالية له وخاصة الحرس الثوري الإيراني والسياسات التي اعتمدها المسؤولية عما آلت إليه أمور البلاد، وذلك بعدما وصلت الأوضاع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حالة تشبه إلى حد بعيد تلك الأوضاع التي سادت في الفترة التي سبقت سقوط الشاه ونظامه، سيما وأن الحركة الاحتجاجية لم تقتصر على مجرد تحرك محدود لأعداد قليلة من الشباب كما عبر عنها مسؤولون في القضاء والأمن. وبالتالي فإن مطالبهم لم تقف عند حدود الإصلاحات الإقتصادية فحسب بل تعدتها إلى المطالب السياسية والثقافية والاجتماعية على حد تعبير الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الذي دعا وخلال خطاب له أمام ضريح الإمام الخميني بمناسبة ذكرى انتصار الثورة جميع قادة البلاد إلى أن يسمعوا مطالب الشعب وتمنياته مذكرًا بأن النظام السابق فقد كل شيء لأنه لم يسمع صوت المواطنين وانتقاداتهم. 
وجدير بالإشارة إلى أن الرئيس روحاني اعترض في مناسبات عديدة على دور الحرس وعلى المؤسسات التي يهيمن عليها المحافظون المتشددون، وطالب بالحد من تغول هذه المؤسسة وسيطرتها على الإقتصاد. 

إقرأ أيضًا: هدنة هشة في ظل وضع متفجر والإستحقاق الإنتخابي يقترب
وكان الرئيس السابق لمجلس الشورى مهدي كروبي الذي يخضع لإقامة جبرية قد عزا الإحتجاجات إلى الظلم والفساد مطالبًا الخامنئي بالنظر إلى الهموم المعيشية للناس ورأى أن النظام أصبح في منحدر السقوط. 
وحتى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد حذر من سقوط نظام ولاية الفقيه مشيرًا إلى حالة الضغط الإقتصادي والسياسي والنفسي على الشعب بشكل غير مسبوق. 
وكشفت الإحتجاجات الأخيرة أن تيارًا واسعًا وعريضًا من الشباب الإيراني تجاوز في تحركاته المطلبية حالة الإنقسام التقليدي بين المحافظين والاصلاحيين، وبدا واضحًا أن هؤلاء الشباب لا ينتمون إلى أي من هذين الجناحين المتنافسين والمتصارعين على السلطة ورفعوا شعارات ضد الطرفين. 
وانسياقًا مع هذا الواقع المتفجر فقد أدركت النخب السياسية خطورة هذه الإحتجاجات، خصوصًا أن نارها لم تخمد بل هي جمر تحت الرماد، وأن خروج مجموعات من النساء حاسرات الرأس متحديات قانون فرض الحجاب يعطي صورة عما يجري وسط المجتمع الإيراني من تفاعل وتململ سيتعاظم يومًا بعد يوم، إن لم يتدارك أهل النظام الأمر ويستمعوا باذان صاغية إلى المحتجين والمطالبين بلقمة العيش وبإصلاحات جوهرية تطاول ممارسات الحرس الثوري وحتى دور المرشد وبتغيير سياسة الدولة الداخلية والخارجية التي تحرم المواطن من الحد الأدنى من حقوقه والحياة بحرية وكرامة وتستعدي شعوب المنطقة والعالم ضده.