تجربة إسرائيل في جنوب لبنان مع بدايات الحرب الأهلية اللبنانية يتمّ الآن إسقاطُ وقائعها العملية والسياسية على جنوب سوريا
 

عام 1975 أنشأت إسرائيل على «حدودها» مع لبنان، ما سمّته «الجدار الطيب»، ثمّ طورته تحت غطاء ظروف الحرب الاهلية اللبنانية، ليصبح عام 1978 منطقة نفوذ مباشر عسكري وأمني لها على منطقة حدودية لبنانية عرفت بمنطقة الشريط الحدودي.

عام 2013 ومع تعاظم الحرب الاهلية في سوريا، أنشأت إسرائيل «الجدار الطيب» على حدود الجولان المحتل مع سوريا، ومنذ العام 2014 تدفع إسرائيل هذا الجدار عبر منظمات دولية وسورية خاصة، لتصبح له أهلية لتمرّر من خلاله خطتها لإنشاء شريط حدودي في سوريا شبيه لما كان قائماً في لبنان بين 1978 و2000. ومع بدايات هذه السنة أصبح هذا الهدف الإسرائيلي قريباً من الإنجاز.

«الجمهورية» حصلت على تفاصيل حول الخطة التي اعتمدتها إسرائيل للتسلّل الى داخل الجنوب السوري، وواقع ما يحدث هناك حالياً على هذا الصعيد:
منذ إنشاء منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا بضمان كل من روسيا والأردن وأميركا، اعتبرت إسرائيل أنّ بنود التفاهم الخاص بإنشاء هذه المنطقة لا تلبّي مصالحها الامنية، وطالبت بإدخال تعديلات عليه، أبرزها إبعاد «حزب الله» وقوات تابعة لإيران من حدود الجولان مسافة 30 كلم الى داخل سوريا. وهدّدت إسرائيل بأنها ستعمل بنفسها في هذه المنطقة لتأمين مصالحها الأمنية فيها ما لم تتمّ الإستجابة لطلبها هذا.

ولم يعد خافياً حالياً إنطلاقاً من رصد وقائع تحرّك إسرائيل على الأرض في منطقة محافظة القنيطرة السورية المحاذية للجولان المحتل، أنها تتقدّم في اتّجاه إنشاء شريط حدودي في تلك المنطقة.

والتطبيق العمَلي لهذه الخطة بدأ منذ العام 2013، عبر استقبال مستشفيات إسرائيلية حالات فردية من المرضى من أبناء محافظة القنيطرة، وجرحى من فصائل المعارضة السورية الموجودين هناك، وذلك عبر بوابات على الحدود مع سوريا أنشأها الجيش الإسرائيلي تحت تسمية بوابات «الجدار الطيب».

ومع بدايات عام 2014 تقدّمت خطواتُ تنفيذ هذا المشروع عبر إنتاج خطة مركّبة لتنفيذه في اتّجاه تطبيع هذه المنطقة الحدودية السورية، مع فكرة أنّ إسرائيل هي جارة لها وليست عدوّة.

مطبخُ تنفيذ هذه الخطة، كان مدينة نيويورك الأميركية، أما أداتها الأساسية فكانت «منظمة تحالف الأديان من أجل سوريا» «hwpl» التي تضمّ نحو 90 جمعية من مختلف أنحاء العالم بينها جمعيات مسيحية وإسلامية ويهودية وبوذيّّة وغيرها.. ولقد كان العائق الأساس أمام تفعيل فكرة «الجدار الطيب» مع سوريا، ليصبح معبراً لحضورٍ إسرائيليٍّ فاعل في محافظة القنيطرة، عدم امتلاك إسرائيل وسيلة إتصال فعالة مع سكان هذه المنطقة السوريين. واعتمدت إسرائيل لتذليل هذه العقبة على منظمة «تحالف الأديان».

وكخطوة أولى أضافت هذه المنظمة الى نشاطها (2015) مهمّة إغاثة المناطق المحاصَرة في سوريا، وفي الوقت نفسه بدأت بالبحث عن جمعيات سورية محلّية تقبل بمبدأ تسلّم مساعدات إنسانية منها وتُرسلها الى جنوب سوريا عبر إسرائيل، وبعد عام عثرت المنظمة على هذه الجمعية وهي جمعية «أروينت» السورية.

ونقطة الوصل التي اعتمدتها تل ابيب لضمّ «اروينت» الى جمعية «hwpl» كانت السوري الحاصل على الجنسية الأميركية الدكتور شادي مارتيني مسؤول العلاقات العامة في «تحالف الأديان»، والذي تجمعه صلة قربى بالدكتور عمّار مارتيني مدير «أورينت» الإنسانية.

على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، واجه الجيش الإسرائيلي المكلّف خطة تأمين سياق عملياتي متدرّج إنساني، ومن ثمّ أمني وعسكري في محافظة القنيطرة، عقبة وجود انقسام داخل الحكومة الإسرائيلية حول نوعيّة التدخّل الذي يجب اعتمادُه في سوريا.

ويبدو أنّ نتنياهو نجح في ردم هذا الانقسام لمصحلة السير في خطى حثيثة لإنشاء شريط أمني في محافظة القنيطرة رداً على عدم استجابة الدول الضامنة منطقة خفض التوتر في جنوب غرب سوريا لمطلبها بإبعاد القوات التابعة لإيران عن حدود الجولان المحتل.

وتنفيذاً لهذا القرار الإسرائيلي، تحرّكت إسرائيل لتفعيل خطة دخولها الى محافظة القنيطرة عبر البواية الإنسانية. ومنذ نحو ستة أشهر، قدّمت إسرائيل لمنظمة «تحالف الأديان» عرضاً «مغرياً» لاستقبال مساعدتها المرسلة الى جنوب سوريا.

وبموجبه تعهّدت تل ابيب بعدم فرض أيِّ ضريبة على مساعدات الإغاثة التي تصل الى مرافئها، وأن يقوم الجيش الإسرائيلي بنقلها الى بوابات العبور عند الجولان الى داخل الأراضي السورية، ويتضمّن العرض ايضاً بنداً غيرَ معلن وغيرَ مباشر، ومفادُه أنّ الجيش الإسرائيلي يضمن حماية دخول هذه المساعدات الى جنوب سوريا، كون فرزها سيتمّ في مناطق قريبة من السياج الإسرائيلي عند الجولان ما يجعل الجيش السوري ينكفئ عن ضربها خوفاً من الرد الإسرائيلي.

الجمعية السورية الشريكة لـ»جمعية تحالف الأديان» في تنفيذ خطة فتح جسر «عبور تطبيعي» بين إسرائيل وجنوب سوريا، هي جمعية «أورينت» الإنسانية (مركزها برتغاليا ولديها 9 آلاف موظف داخل سوريا) التي تمّ ضمُها الى إطار جمعية «hwpl» نهايات عام 2016، وتمّ إعتمادُها جهة سوريّة محلية تستقبل مساعدات الإغاثة من الجيش الإسرائيلي وتوزّعها في منطقة الجنوب السوري.

وتبرّر «أورينت» انخراطَها في تسهيل التعاون مع إسرائيل «إنسانياً» في منطقة جنوب سوريا بعدم وجود ممرٍّ برّي آخر لإدخال مساعدات الإغاثة الى هذه المنطقة، علماً أنّ هناك ممرَّين اثنين برّيَين محايدَين متوافرَين، هما من جهتي لبنان والأردن.

ومكمن خطر الخطوة الإسرائيلية الراهنة في جنوب سوريا، لا يقتصر على أنّ إسرائيل اصبحت ممرّاً برّياً حصرياً لإدخال مساعدات الإغاثة اليه، بل كون هذه الخطوة ستليها خطوتان اشمل تتّصلان ببناء مستشفيات عند السياج الحدودي مع الجولان، وقد أنُجز حتى الآن بناءُ أحدها مخصّص للأمراض النسائية، ويتمّ تجهيز آخر للجراحة يُسمى «المستشفى الأميركي».

ويلاحَظ أنه تمّ تقصّد بناء هذين المستشفيَين قرب السياج الإسرائيلي في الجولان، لتكون حمايتهما مسؤولية إسرائيلية. اضف الى أنّ الخطوة التالية ستشمل بناء مدراس قرب السياج ايضاً، وعليه تصبح إسرائيل عملياً هي المسوؤلة عن كل الواقع المعيشي والخدماتي والإغاثي لسكان محافظة القنيطرة السوريين.

والواقع أنّ نجاح إسرائيل في احتكار أن تصبحَ المعبرَ البرّي الوحيد لمرور مساعدات الإغاثة الى جنوب سوريا وإدارة كل قطاعاته الخدماتية، يوفّر لها مزايا استراتيجية عدة، منها أنها تصبح عضواً في نادي دول جوار سوريا المساهمة في إغاثة نازحيها، ما يجعلها جزءاً من الدول المشاركة في حلّ هذا الملف، وأيضاً يمنحها بطاقة دخول الى نادي الدول المالكة لمناطق نفوذ في سوريا، والمقصود هنا الجنوب السوري، وذلك في مقابل امتلاك تركيا منطقة نفوذ في الشمال وروسيا في الغرب والولايات المتحدة الأميركية في الشرق.