إن التعامل مع وفاة عقل حمية كقائد في المقاومة وكشخص استثنائي لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يكن على قدر ولو يسير من الوفاء لهذا الرجل
 

عقل حمية (ابو شمران) أول قائد عسكري في أفواج المقاومة اللبنانية "حركة أمل" منذ نشأتها في اواسط عقد السبعينات من القرن الماضي عندما كان حينها رفيقا ومساعدا للإمام موسى الصدر الذي بقي إلى جانبه كما كل البقاعيين في زمن العمل الحقيقي والتعب والمشقة والعمل ليلا نهارا لرفع الحرمان والتهميش عن الطائفة الشيعية وأهالي البقاع الذي كانوا مع عقل حمية حصن الإمام الصدر المنيع الذي أسس لتلك المرحلة بتضحيات كبيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاوزها .
لقد أسس عقل حمية البقاعي وآل حمية جميعا لتلك المرحلة التي ولدت فيها أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" فكانت حين ذاك كما أرادها الإمام الصدر صرخة المحرومين والمعذبين من البقاع إلى كل لبنان، وكان عقل حمية  وآل حمية عموما عقل هذه القضية ومناصرها في وقت ابتعد كثيرون عن الإمام الصدر من أهالي الجنوب وتركوه وحيدا، فكان عقل حمية وأهالي البقاع السند والمعين الذي أثبت للإمام أن البقاع كله محل ثقة وان البقاع كله هو الحصن والملاذ له ولكل أبناء الطائفة .
بقي عقل حمية الثائر المناضل بعد تغييب الإمام الصدر في صفوف حركة أمل وساهم إلى حد كبير في نشأة الحركة واستمرارها . 

إقرأ أيضا : ربع قرن، يفصل عقل حميّة عن أبو مصطفى..
قد لا يعرف الحركيون الجدد عقل حمية وقد لا يعرفه أيضا الجيل الجديد للمقاومة وبالتأكيد يجهلون دوره العسكري والجهادي الريادي في حركة أمل منذ العام 1978 ولكن البعض لا يمكنهم أن ينسوا عقل حمية المجاهد المناضل كواحد من الذين قامت حركة أمل على أكتفاهم وبتضحياتهم، ولا يمكن لهذا البعض أن ينسى أيضا أن عقل حمية كأحد الأساسيين الذين ساهموا في توسيع نطاق حضور حركة أمل على الساحة اللبنانية منذ ما بعد اختفاء الإمام موسى الصدر، وهو شكل رافعة اساسية في تطور الحركة وحضورها على المستوى اللبناني عموما والشيعي خصوصا  وحتى حضورها العسكري على مستوى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وكان حميه احد أبرز المقاومين في انتفاضة 6 شباط التي مهّدت الطريق للصعود الكبير للحركة وصيرورة رئيسها الاستاذ نبيه بري رقما صعبا في عالم السياسة المحلية، وصاحب الدور في انعطافة مفصلية في المشهد السياسي نفضت واقع ما بعد الاجتياح العسكري للبنان في صيف عام 1982 وصولا الى اليوم.
في بعض مراحل العمل انكفأ عقل حمية خوفا من السقوط في فتنة تقاتل الاخوة حركة امل وحزب الله وآثر الإبتعاد عن التورط في الدم الشيعي آنذاك احتراما منه لمبادئه وقناعته بالمحافظة على وحدة الطائفة وحقن الدم الشيعي لكنه بقي على إصراره بالعمل إلى جانب أهله البقاعيين وبقي من أبرز العاملين على تحصيل حقوق البقاع وأبناء بلدته وكان الأبرز اجتماعيا في تقصي شؤون مواطنيه البقاعيين وأخذ على نفسه مساعدة الناس بغياب المعنيين من النواب والمسؤولين الحزبيين وغيرهم في الوقت الذي تُرك عقل حميه لقدره بالرغم من كل التقديمات والمساهمات التي قام بها من أجل حركة أمل ومن اجل عموم الطائفة الشيعية عموما ومن أجل كل اللبنانيين.
في استعادة سريعة لحقبة عقل حمية فقد يكفي النظر إلى بعض الصور كشاهد تاريخي على ذلك الرجل وعلى تلك الهامة الكبيرة وما تختزنه من روحية الإباء والعطاء والتضحية والتفاني في سبيل أهدافها، حيث لا يمكن لتاريخ المقاومة وتاريخ حركة أمل أن يُكتب بصدق دون ذكر اسم عقل حمية وقد حفر عميقا في وجدان الكثيرين ممن عاصروه وعرفوه .

إقرأ أيضا : وفاة القائد السابق في حركة أمل عقل حمية
وقد قال أحدهم في رثائه أمس "قصة عقل حمية تستحق أن تُروى هناك الكثير في حياة هذا الرجل الذي تشكل معرفته أمرا حيويا لفهم الصعود الشيعي مع الإمام موسى الصدر وصولا إلى مرحلة 1990 التي شكلت منعطفا في تاريخ لبنان الحديث وتاريخ الشيعة في لبنان"
إن هذا الكيان الذي إسمه عقل حمية لا يمكن تجاهله أيضا في الحديث عن تاريخ الشيعة في لبنان نظرا لإسهاماته في رفع دعامة الحضور الشيعي بغض النظر عن طريقته التي كانت في سياق مرحلي تأسيسي فرضتها الضرورات والمرحلة التي شهدها لبنان في عز عطاءات حمية القائد .
وقد استطاع عقل حمية في المراحل الأخيرة من حياته أن يشير إلى بعض الإنجازات من خلال صفحته على التواصل الإجتماعي وقد شهدت كتاباته عن المرحلة التي عاشها متابعة كبيرة خصوصا من قدامى حركة أمل وممن عاش تلك الفترة الزمنية بالنظر لما تضمنته من مخزون كبير من المرحلة السياسية التي عاصرها، وقد حاول البعض استثمار هذه المذكرات وكان حمية يعمل على ذلك بدون مقابل إلى أن عاجله الموت (وأنا أعرف سر موته وسوف ابوح به في يوم من الايام) .
غياب حمية القائد يعتبر خسارة كبيرة لحركة أمل والبقاع وأبناء بلدته طاريا، وبالرغم من ذلك رحل بصمت مثل كثير من الكبار الذين آثروا التواضع على الصخب والذين آثروا الصمت في زمن الثرثرة وفي زمن الوصوليين وزمن الحاشيات الحزبية والحركية .
عقل حمية القائد رحل بصمت وهدوء لأنه لم يعد في نظرهم إبن الثورات أو قائد الثورات وقد كان تشييعه إلى مثواه الأخير موت آخر بغياب المؤسسة الحزبية التي عمل من أجلها ومن أجل رفعتها ونهضتها كتقصير فاضح عن الإهتمام بهذا الرجل ونضاله وتاريخه وعطاياه، وهو رفيق موسى الصدر ونبيه بري وحسن نصر الله وغيرهم.
 وفي العمل المقاوم إبان الإحتلال الاسرائيلي فقد كان عقل حمية من أبرز رجالات المقاومة في الحقبة التي سبقت حزب الله إلى المقاومة وكان له مساهمات كبيرة على أكثر من صعيد سواء في صفوف حركة أمل أو في صفوف حزب الله .
إن التعامل مع وفاة عقل حمية كقائد في المقاومة وكشخص استثنائي لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يكن على قدر ولو يسير من الوفاء لهذا الرجل الذي قدم الكثير واعطى لكل هذه القيادات ما هي عليه الآن.
قدر عقل حمية أن يُعزل حيا وميتا لأنه فوق الولاء المطلق وفوق الولاء الأعمى الذي تريده هذه الزعامات على قياسها وألوانها فقط ، إنه قدره أن لا يسحق نفسه أمام هؤلاء لأنه كبير بتضحياته وإنجازاته وقد تعالى على هذا الزمن الذي أصبحت المحاسيب والأزلام هي فقط محل احتفاء وتكريم .
عقل حمية يوارى في الثرى وقد عزّعلينا وعليه قلة الوفاء، ولكنه سيبقى تلك الصورة المعلقة على جدران التاريخ الذي لا يمكن أن ينسى عظماءه .
إننا إذ نودع فقيدنا الكبير فإننا نقول لأهلنا في البقاع عموما ولأهالي طاريا وعائلة الفقيد خصوصا أننا سنبقى أوفياء لفقيدنا الكبير ومسيرته وعطاءاته ونضالاته في سبيل الطائفة والمنطقة ولن نتخلى عنكم كما تخلى كثيرون، سنتابع العهد والوعد في ان نتجاوز معكم وبكم الحرمان والإهمال .