طريق الحرير هو طريق التجارة الفريد الذي ربط منذ القرن الثاني قبل الميلاد ما بين آسيا وأوروبا، وتحدّث عنه الرحّالة ماركو بولو في القرن الثالث عشر في كتابه "قصة المعجزات". وقد كان لطريق الحرير تأثير كبير في ازدهار كثير من الحضارات القديمة، مثل الصينية والمصرية والهندية والرومانية. ويعد اسم "طريق الحرير" حديث العهد نسبياً، ففي أواسط القرن التاسع عشر أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن اسم "دي سيدينستراس" (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات. 

أعلنت الصين في عام 2013 عن مبادرة لإعادة إحياء طريق الحرير، وهو مشروع جبار يهدف إلى إنشاء طريق يصل طوله إلى 12 ألف كيلومتر، يمتد من شنغهاي في الصين حتى العاصمة البريطانية لندن. وقد افتتحت يوم السبت، 14 أيار2017 في العاصمة الصينية بكين قمة مخصصة للاحتفال باطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، اكثر سياسات الرئيس شي جينبينغ الخارجية طموحاً. ووقّعت الصين خلال القمة على اتفاقيات مشتركة مع 68 دولة في مجالات مختلفة، وتعهدت بتقديم 124 مليار دولار دعماً لتنفيذ مشاريع المبادرة، تضاف إلى أربعين ملياراً كانت قد خصصت في وقت سابق لصندوق طريق الحرير، بالإضافة إلى مشاركة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بميزانية بلغت مئة مليار بمساهمة سبعين عضواً. جغرافياً، يتضمن الفرع البري من المبادرة 6 ممرات اضافة الى طريق الحرير البحري. وهذه الممرات هي:

الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من غربي الصين الى روسيا الغربية.

ممر الصين - مونغوليا - روسيا الذي يمتد من شمالي الصين الى الشرق الروسي.

ممر الصين - آسيا الوسطى - آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين الى تركيا.

ممر الصين - شبه جزيرة الهند الصينية الذي يمتد من جنوبي الصين الى سنغافورة.

ممر الصين - باكستان الذي يمتد من جنوب غربي الصين الى باكستان.

ممر بنغلاديش - الصين - الهند - ميانمار الذي يمتد من جنوبي الصين الى الهند.

ويشمل هذا المشروع تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والانترنت ومختلف البنى التحتية، وذلك وفق الآتي:

- المنشآت البحرية، عبر المحيط الهندي، من باكستان إلى عمان والجزيرة العربية، ثم إلى مصر وإفريقيا.

- المنشآت البرية، عبر دول آسيا الوسطى، إلى روسيا وأوروبا، وعبر إيران إلى بلاد الشام باتجاه البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا.

وبذلك يتم تعزيز اتصالات الصين بالقارتين الأوروبية والإفريقية عبر آسيا، حيث ترى الصين أن فوائد هذا الطريق ستشمل أكثر من 60 دولة على مساحة 40 مليون كيلومترمربع، ويطال 4.5 مليار نسمة من سكان العالم.وتقدرتكلفته بتريليون دولار.

البعد الاقتصادي للمشروع

تنفق الصين حاليا حوالي 150 مليار دولار سنويا في الدول الـ 68 التي وافقت على المشاركة في المبادرة. خصصت البنوك الحكومية الصينية مبلغ 250 مليار دولار نفقات للنقل والبناء والبنى التحتية للمشروع وعندما يتكامل المشروع وينضج فإن حجم استثمارات مشروع "حزام واحد، طريق واحد" سيبلغ 4 تريليونات دولار، حسب تقرير أعده معهد بيترسون للاقتصاد العالمي .ويقول بنك التنمية الصيني إنه يتابع بالفعل أكثر من 900 مشروع في 60 دولة تبلغ تكلفتها نحو 850 مليار دولار. وقد قدم البنك الدولي زهاء 8 مليارات دولار للمساعدة في تطوير البنية التحتية للحزام الاقتصادي “طريق الحرير”. تقول "بلومبيرغ الاقتصادية" إن المشروع ضخ 503 مليارات دولار في سبيل توسيع كل نظام سكك الحديد الوطنية مع حلول عام 2020 بغية الوصول إلى أسواق صادراته الجديدة.

تقول صحيفة نيويورك تايمز إن الانتاج الصناعي الصيني الفائض يعد احد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة. وذكرت مجلة "فورين بوليسي" 4 شباط 2017

أن مشروع "حزام واحد، طريق واحد" ليس محوره السكك الحديدية وحسب، بل إن كلمة "حزام" في اسمه تشير إلى سبل الاتصال البرية التي تضم الطرق وأنابيب الغاز العابرة لوسط آسيا. وبحسب أفيشين مولافي زميل بمركز" نيو أميركا فاونديشين"- واشنطن فإن طريق الحرير الجديد لا يؤدي فقط إلى تنشيط الاقتصاد فحسب ولكنه يساهم في تغيير المشهد الجيو- اقتصادي والجيو- سياسي للشرق، وهو ما يؤدي بدوره إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. حيث يطمح المشروع إلى بناء شبكة من التجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، وتمكّن الصين من رفع حجم التجارة مع دول الحزام إلى 10 تريليونات دولار خلال أول خمس سنوات. والواقع أن الصين ستكتسب أهمية جيوسياسية في حال تأسيس طريق الحرير، فالكثير من الدول سوف تستفيد بشكل غير مباشر من وراء غزارة الإنتاج الصيني، وسيشكل النجاح الصناعي وتصدير المنتجات الصينية لدول العالم دخلا غير مباشر لجميع الدول التي سيمر من خلالها طريق الحرير.

موقع لبنان فيه

يعمل الصينيون حالياً على ترسيخ وجودهم الاقتصادي في المنطقة عبر لبنان تمهيداً للمساهمة في عملية الإعمار في سوريا والعراق. وهو ما عبر عنه رئيس غرفة طريق الحرير للتجارة الدولية لو جيان تشونغ في حديث إلى "المدن"، إذ قال إن الصين مهتمة بجعل لبنان مركزاً للتجارة العربية ولعبور الصين إلى المنطقة عبره.

وركز تشونغ على أهمية الإتفاقيات التي تم توقيعها في المؤتمر، وهي اتفاقية تعاون بين اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان وغرفة التجارة الدولية لطريق الحرير، واتفاقية تعاون بين اتحاد الغرف العربية وغرفة التجارة الدولية لطريق الحرير، واتفاقية تعاون بين مجلس بلدية بيروت وتحالفات الأمم المتحدة لطريق الحرير القارية والبحرية. وجميعها تصب في خانة التعاون وتأكيد دور لبنان وموقعه في خريطة "حزام واحد، طريق واحد" وتعزيز مكانته كنقطة انطلاق الصين نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجالات الأعمال والتجارة والتمويل والبنية التحتية، والثقافة، والسياحة.وكان وزير الاقتصاد والتجارة قد اختتم الاثنين 11 أيلول 2017 زيارته الرسميّة الى الصين بتوقيع مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة الجمهورية اللبنانية حول "الترويج المشترك للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين". واتّفق الجانبان من خلال هذه المذكّرة على العمل معا في اطار مبادرة الطريق والحزام. وتنصّ المذكّرة على تعاون الجانبين في مجالات ذات اهتمام مشترك منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية، الاستثمار والتجارة، الطاقة والطاقة المتجدّدة والتبادل الثقافي والتبادل بين الشعوب، الصحة والرياضة. وقد نظمت مجموعة فرنسبنك الخميس 6 نيسان 2017 في بيروت مؤتمر "طريق الحرير"، ونصح بالاستثمار في البنى التحتية بشكل خاص، لأن في ذلك منفعة للبنانيين والنازحين السوريين على حد سواء، ويسهم في انطلاق الاقتصاد اللبناني لتعويض الانخفاض الحاد في النمو والعمالة منذ بدء الأزمة السورية. وإذ كشف نديم القصار عن أن صندوق طريق الحرير يرصد نحو 50 مليار دولار للاستثمار في الدول الواقعة على "خط طريق الحرير"، ومنها ملياران دولار للبنان، رأى أن على القطاعين الخاص والعام في لبنان الإقدام على تأسيس استثمارات ومشاريع انتاجية كبيرة للاستفادة فعلياً من الأموال المرصودة للإستثمار في لبنان.ولكن الصينيين يترددون حتى اللحظة بالدخول في استثمارات مباشرة في لبنان نظراً لغياب الأرضية الخصبة للاستثمار المباشر.

ووقّع رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رئيس بلدية طرابلس في تشرين الثاني 2017 اتفاقية تعاون مع وفد صيني أممي كبير لإحياء طريق الحرير القارية والبحرية، تقدمه مدير قسم في الامم المتحدة لمركز الصين الدولي للتعاون الافتصادي والتقني زهاو يونغلي ورئيسة مجلس ادارة تعاون المدن طريق الحرير القارية والبحرية ليانغ دان. وذكر يونغلي أنه "لدينا تطلع جدي للشراكة والاستثمار معكم، وهذا يأتي في سياق تفعيل مشروع طريق الحرير". من جهتها،أشارت دان الى " أن هناك اهتماما صينيا لانضمام طرابلس لهذا التحالف من اجل مشروع الحرير، وطرابلس ستحمل هذا الحلم".

إن توسيع مرفأ طرابلس وزيادة الاستثمارات فيه والتفكير جديّاً بتشغيل مطار القلعيات وإعادة إحياء محطات القطار وسكك الحديد ما هي إلا خطوة الميل في طريق ألف ميل الحرير.

(د. أيمن عمر)