خطاب يدمر بلدًا، وأخر يضعه على حافة الهاوية، وكأن الناس رعايا لا قيمة لمصالحم ولا لوجودهم، في ظل هذه الأجواء كيف يمكن الحديث عن نهوضٍ وتنمية ومستقبل..
 

ان العمل السياسي دائمًا مرتبط بالمصالح السياسية، وليس القيم الإجتماعية أو الأخلاقية، لذلك فإن السياسي لا يجد أي مشكلة بتخطي تلك القيم من أجل مصالحة، هذه الحقيقة أو البديهية لا يعرفها الناس ظنًا منهم أن السياسي يملك دائمًا قيمًا أخلاقية تمنعه من إستغلال طيبة الناس أو عدم عرفة الناس بحقائق الواقع، وفي لبنان يعمل السياسي على إسباغ صفات النزاعة والشرف والقدسية على نفسه كي لا يتجرأ أحدٌ على نقده، أو لكي يُخرج نفسه من دائرة النقد والسؤال.

إقرأ أيضًا: لبنان والأزمة المفتوحة على كل التداعيات
هذه الثقافة ليست جديدة، بل قد كانت هي السائدة في العالم الإسلامي والعربي منذ قرون، وقد إستعمل لذلك كل أنواع الإعلام والإعلان، بما فيها تسخير الأدب والشعر والفن كأداة بيد الزعيم أو القائد أو المسؤول، فقد سخّر الأدب بكل أنواعه فيما مضى لمدح السلطان، وما زال يُستعمل في زماننا لنفس الهدف، وزِد عليه مفهوم الثقافة المعاصر الذي يُسخّره الإنتهازيون لتظليل الرأي العام اللبناني بثمن بخسٍ في كثير من الأحيان.
لا يختل لبنان عن عالمه العربي والإسلامي، سوى ببعض العناوين التي باتت فارغة من مضمونها الحقيقي، بل أصبحت بالية لكثرة إستعماله في الخطابات اليومي السياسية المبتذلة، لذلك تجد مفهوم الحرية يستعمله الكل وينادي به الكل وفي الممارسة تجد عكسها تمامًا، وكذلك حقوق المواطنين الكل يتشدّق بها ويجعلونها أساسًا لكل برامجهم السياسية والإنتخابية ولكن للأسف، نفس الذين يرفعون هذه الشعارات هم الأكثر فتكا بحقوق المواطنين، حتى باتت واجبات المواطنين مشتتة متفرقة تجاه الوطن أو الزعيم أو الحزب أو قد يكون تجاه الخارج بالكليّة وهذا موضع الخلل الأكبر الذي إعترى مفاهيم الوطن والمواطنة.

إقرأ أيضًا: ما هي مسؤولية الدين في مجال الفساد السياسي؟
خطاب يدمر بلدًا، وأخر يضعه على حافة الهاوية، وكأن الناس رعايا لا قيمة لمصالحم ولا لوجودهم، في ظل هذه الأجواء كيف يمكن الحديث عن نهوضٍ وتنمية ومستقبل، حيث أن شرط الحماس عند المواطنين لأي مشروع نهوض هو الإطمئنان النفسي أولًا، وثانيًا الأمان العام في حياتهم اليومية، وبدون هذه الشروط لا يمكن الحديث عن خيارات حرّة لأي جهة أو فرد، وبالتالي لا شرعية لأي قرار ناتج عن الخضوع وليس عن إرادة حرة.