منذ اللحظة الأولى، كانت هناك انطباعات، بل معلومات، بأنّ الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لن ينتهيَ قريباً، وأنه قد يستمرّ حتى الانتخابات النيابية... إلّا إذا «طارت من مكانها» في 6 أيار!
 

لم ينزل جمهورُ حركة «أمل» إلى الشارع لمجرد الاستعراض، بل للمشاركة بقوة في «الكباش» الدائر. وقالها بري قبل أيام بصراحة: «الضعيف هو الذي يلجأ إلى القضاء».

الشرخُ عميق بين الرجلين والمنطقين: لم «يَبْلع» بري حتى اليوم أنّ عون وصل إلى رئاسة الجمهورية خلافاً لرغبته. وعون لم «يَبْلع» أنّ موقع بري كرَّسه الرمز الأقوى شيعياً، كما الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وأنه ثابت في موقعه في المجلس العتيد أيضاً.

لقد تبلّغ عون بوضوح أنّ «الحزب» ينحاز إلى بري في الأمور الجدّية، وأنه فقط في الأمور البسيطة يناور بين الرجلين منعاً للإحراج. ولكن، الأهم، هو أنّ «الحزب» بقي متفرِّجاً على النزاع الذي يتفاقم بين الحليفَين الشيعي والمسيحي. وكثيرون يقولون إنه كان قادراً على إنهائه أو تطويقه على الأقل، كما جرت العادة.

لماذا لم يتدخّل «الحزب» هذه المرّة بين الحليفَين؟ وما علاقة النزاع الدائر بالانتخابات؟

المتابعون يضعون الأمرَ بين واحدٍ من احتمالين:

- الاحتمالُ الأول هو تطيير الاستحقاق المقرَّر في 6 أيار المقبل. فتفجير النزاع السياسي على مداه، مع ما يرافقه من أجواء مشحونة، ربما يبرِّر ذلك. ويمكن أن ينشأَ تقاطعٌ بين عدد من القوى النافذة في هذا الشأن، وأبرزها صاحب الكلمة الأقوى، «حزب الله».

فـ«التيار الوطني الحر» ليس متحمّساً لانتخابات تؤدّي إلى خسارته الكتلة النيابية الفضفاضة التي استطاع تشكيلها في ظلّ قانون الانتخاب الأكثري وبدعم «حزب الله»، والتي ستتقلّص حتماً بتأثير القانون الحالي.

وكذلك، يفضّل الحريري إبعادَ كأس الانتخابات بالنظام النسبي الذي لم يستطع الهرب منه. فكتلةُ رئيس الحكومة ستتقلّص كثيراً في الانتخابات المقبلة. وهو يدرك ذلك ويسلّم بالأمر على مضض.

يبقى أن يقرِّر «حزب الله» إذا كان يريد الانتخابات في 6 أيار أو في موعد لاحق. ففي أيِّ حال، سيربح «الحزب» وحركة «أمل» غالبيةً ساحقةً من المقاعد الشيعية، وكثيراً من المقاعد في الطوائف الأخرى. وأما التأجيل، فقد يختاره «الحزب» لغايات أخرى باتت متداوَلة في عدد من الأوساط.


قد يجد «حزب الله» مصلحة في التمديد للمجلس الحالي بضعة أشهر (5 أو 6 أشهر)، لتنتهيَ ولاية المجلس المنتظر في خريف 2022، فيتمكّن عندئذٍ من انتخاب رئيس الجمهورية الذي يخلف عون. فهذا المجلس ستكون غالبيّته داعمة لـ«حزب الله»، والأفضل أن يتولّى انتخابَ خلفٍ لعون.

فإذا انتهت ولاية المجلس في ربيع 2022، سيكون على المجلس الذي يليه انتخاب الرئيس المقبل، وليس مضموناً ما ستحمله التحوّلات السياسية إلى لبنان في ذلك الوقت، ولا ستكون مضمونة غالبيته لمصلحة «الحزب».


إذا اعتمد «حزب الله» هذا الخيار، فمن المرجّح أنه سيدعم تأجيلَ الانتخابات المقرَّرة في 6 أيار المقبل، ولن يعترض على الأمر أيٌّ من التيارَين «الأزرق» و«البرتقالي»، ولا طبعاً النائب وليد جنبلاط. وفي هذه الحال، يكون مقصوداً أن يُترَك النزاعُ الدائر اليوم للتصاعد أكثر فأكثر بين عون وبري، بكل تجلياته، لتبرير التأجيل.


2- الاحتمال الثاني هو تحضير الأجواء لسيناريو اجتياح أكبر عدد ممكن من المقاعد لقوى 8 آذار، أي لـ«حزب الله» وحلفائه. فالشحن السياسي - الطائفي - المذهبي، في التركيبة الطوائفية اللبنانية، عشية الانتخابات غالباً ما خلق «تسونامي». وحالة عون في انتخابات 2005 نموذج.

إنّ وضعَ حركة «أمل» و«حزب الله» على المستوى الشعبي، في البيئة الشيعية، هو اليوم أفضل ممّا كان عليه أمس. فقد اشتدّ العصبُ الشيعي بقوة بعد المواجهة مع الوزير جبران باسيل. والمتردّدون الشيعة باتوا أكثرَ استعداداً للانجذاب إلى لوائح «الثنائي» في 6 أيار، إذا جرت الانتخابات. وفي الموازاة، شدّ «التيار» عصب الجمهور المسيحي.

ومن المثير أن يكون الرأيُ العام الشيعي والمسيحي قد ضربته الحمّى الطائفية والمذهبية، بعد أسابيع قليلة من الحمّى التي ضربت الرأيَ العام السنّي، تعاطفاً مع الحريري. وهكذا، فقد تساوت الطوائف كلها في «الحمّى»... وتعالوا إلى انتخاباتٍ «محمومة»!

ولكن، هناك فائدة أخرى من النزاع الجاري داخل 8 آذار، إذا جرت الانتخابات، وهي الآتية:

في النظام النسبي لا يمكن للائحة واحدة أن تفوز بكل مقاعد الدائرة. وإذا تكتلت قوى 8 آذار في لوائح موحّدة في كل لبنان، فإنّ القوى المقابلة ستتمكّن من تحقيق إنجازات بحصولها على نسبة كبيرة من المقاعد في المجلس، ومنها 14 آذار وقوى «المجتمع المدني» والمستقلّون والزعامات المحلّية.

أما إذا توزّعت قوى 8 آذار على لائحتين، واحدةٌ ركيزتُها عون وأخرى ركيزتُها حركة «أمل» و«حزب الله»، فسينقسم الناخبون، تحت وطأة التجاذب الطائفي والمذهبي، بين اللائحتين، وتضعف حظوظ القوى المقابلة.

ولا بأس في النهاية على 8 آذار، لأنّ طرفَي الخلاف حليفان لـ«الحزب»، وهو يصالحهما «في لحظة». ولذلك، وأيّاً يكن الاحتمال الذي يستقرّ عليه «حزب الله»، فإنّ منسوبَ التوتر قد يرتفع إلى حدود مثيرة للقلق، لكنه لن يبلغ الصدام في الشارع. فكل شيء «تحت السيطرة».

وعلى رغم التلويح بنسف الحكومة والعهد وإسقاط تسوية 2016، فليس متوقّعاً أن يحبِّذَ «حزب الله» ضربَ حليفه المسيحي في الحُكم. فقط هو يريد «انضباطه». كما أنّ عون يعرف حدودَ اللعبة. ولذلك، تبقى الأنظارُ شاخصةً في اتّجاه 7 أيار 2018، أي اليوم الأوّل من عمر المجلس الجديد، لا في اتّجاه 7 أيار 2008.