هل الخلاف الأول بين حزب الله والتيار الوطني الحر سيجر إلى المزيد من الخلافات ؟
 

تفاجأ  اللبنانيون في ٦ شباط ٢٠٠٦ بلقاء حصل بين رئيس التيار الوطني الحر حينها  الجنرال ميشال عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل.

نتج عن اللقاء توقيع ورقة تفاهم بين الطرفين تضمنت تفاصيل النظرة إلى لبنان وشكل النظام وسلاح المقاومة، وحدد هذا التفاهم فيما بعد وجه لبنان الجديد بعد عملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ولم يكن تفاجىء اللبنانيين حينها من فراغ ، إذ أن التيار والحزب قبل هذه الورقة لا يجمع بينهما سوى  الخصومة السياسية والإختلاف حول سلاح المقاومة الذي يعتبر عاملا أساسيا لدى حزب الله لتمييز الحليف عن الخصم.

لكن ما لم يلفت إنتباه كثر هو أن عاملا إستراتيجيا وحيدا كان يشكل عنصرا مشتركا بين الطرفين وهو رفض إتفاق الطائف ولو بدرجات نسبية.

فحزب الله لا يرى في الطائف مكسبا كافيا للشيعة بل يريد تطويره أما التيار فيرفض الطائف من أساسه كونه سلب حقوق المسيحيين حسب ما يدعي .

وشكلت هذه المساحة المشتركة حجر أساس لبناء تفاهم بين الطرفين ولو أنهما أبديا حرصا على الطائف في الإتفاق.

إقرأ أيضا : بري دولة الدولة

نجحت ورقة مار مخايل في تجاوز العديد من العثرات والمشاكل وأثبت التحالف أنه صلب في محطات مختلفة أهمها في حرب تموز ٢٠٠٦ .

وبعد هذا التاريخ ، واجه الطرفان كل الصعاب برؤية مشتركة ولم يسجل أي إختلاف جوهري بينهما على الإطلاق لعلمهما أن أول خلاف سيكون بداية لتمزق الحلف.

وتوج هذا الإتفاق بدعم وترشيح حزب الله للجنرال عون لرئاسة الجمهورية ومساندته في ذلك.

لكن بعد وصول عون لبعبدا ، ساد إعتقاد لدى كثر وهو أشبه بالرهان أن عون سيتخلى عن التفاهم بمجرد أن تطأ قدماه قصر بعبدا ، وكان في طليعة المراهنين على ذلك الرئيس نبيه بري.

هذا الرهان لم ينجح بعد عام من حكم عون بل بالعكس سلف عون حزب الله مواقف داعمة له أمام العرب والغرب في ظل حملة ضغوط واسعة ضد حزب الله.

لكن تعامل عون مع الحزب طرأ عليه نوع من التغيير والذي قاده رئيس التيار الحالي وزير الخارجية جبران باسيل.

فباسيل يتعامل مع حزب الله بأسلوب أقرب للإبتزاز ، إذ يحاول تكريس أعراف جديدة في العلاقة مع الحزب على أساس أن العهد يدعم سلاح حزب الله مقابل الحصول على مكاسب داخل النظام اللبناني ، وهنا حصل التصادم من بري.

إقرأ أيضا : بيان حزب الله : نرفض الإساءة للرئيس بري من أي طرف كان

مارس باسيل هذا الأسلوب مع الرئيس سعد الحريري على قاعدة إعطائه رئاسة الحكومة مقابل نيل مكاسب وحصص في النظام من حصة السنة وقد نجح في ذلك.

أما مع بري فالأمر كان معقدا وصعبا ، إذ واجه باسيل صعوبات في ذلك أدت إلى ما أدت إليه من تسريبات " مقصودة " لفيديو يصف فيه باسيل بري بالبلطجي ويتوعد بتكسير رأسه.

فحجم الحقد الذي ظهر في ملامح وكلام باسيل يؤكد أن بري بات يشكل عبئا على مخططات باسيل وأصبح لا يُطاق .

اللغة القاسية المستخدمة من قبل باسيل في الفيديو ، إضافة إلى كلامه السابق حول العلاقة مع إسرائيل أحرجت حزب الله ووضعته بين نارين.

نار التخلي عن بري لإرضاء التيار وهذا سيؤدي إلى إنقسام في الساحة الشيعية ستضعف حزب الله بالتأكيد.

ونار التخلي عن التيار كرمى لعيون بري وهذا سيجعل الحزب يخسر الغطاء المسيحي لسلاحه.

وأمام الضغوطات الممارسة على الحزب حتى من داخل بيئته التي بدأت تنفر من كلام باسيل ، إختار الحزب عبر بيانه الأخير الإصطفاف مع بري ضد باسيل.

يحاول حزب الله أن يظهر أنه مع بري ضد باسيل وليس ضد العهد أو التيار إلا أن الأمر صعب نوعا ما.

فأوساط التيار وعلى الرغم من مقدمة ال OTV بالأمس والتي حاولت التأكيد على التحالف مع حزب الله ، أبدت إمتعاضها من بيان الحزب الذي يشكل سابقة منذ توقيع ورقة تفاهم مار مخايل.

حيث أنها المرة الأولى الذي يظهر هكذا خلاف علني وواضح بين حزب الله والتيار .

إقرأ أيضا : تسريب باسيل-الفضيحة... المفارقات والعذر الأقبح من ذنب

لكن الحزب وعبر ماكينته الإعلامية ومجموعة الصحافيين والإعلاميين الذين يدورون في فلكه حاولوا التأكيد والتصويب منذ صدور البيان على شخص جبران باسيل لا التيار .

إذ يدرك الحزب حجم الخسارة التي سيتلقاها في حال سقوط ورقة التفاهم وفي ظل تعنت باسيل ورفضه تقديم الإعتذار لبري.

وما قام به حزب الله يؤكد أن الحزب غاضب جدا من تصرفات باسيل خصوصا أن معلومات تسربت وقت إنتشار فيديو الإساءة لبري وتكلمت عن وجود فيديو آخر لباسيل تطاول فيه على السيد حسن نصر الله، لكن هذا الفيديو لو صح وجوده لم يظهر حتى الآن إلى العلن .

إضافة إلى هواجس بدأت تكبر في أوساط الحزب من تقارب باسيل مع الحريري ما يعيد إلى الأذهان الثنائية المارونية - السنية التي حكمت لبنان قبل ١٩٧٥ والحزب ليس بوارد تقديم تنازلات من حصص الشيعة في النظام في وقت يروج لأنصاره أنه يحقق الإنتصار تلو الإنتصار في حروب الإقليم.

مع هذا ، يبدو حزب الله محرجا كثيرا وهو في وضع لا يحسد عليه لأن النفور الحاصل مع باسيل يقابله غزل مبطن من الحريري للعهد وإشادة ببيان بعبدا الصادر بالأمس.

فهل الخلاف الأول بين حزب الله والتيار الوطني الحر سيجر إلى المزيد من الخلافات ؟

يبدو أن الجواب على هذا السؤال متوقفا على مدى إلتزام الحزب بموقفه المتضامن مع بري.

والمؤكد أن ورقة التفاهم هزها بيان حزب الله بالأمس وأدخلها لأول مرة في دائرة الخطر.