كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": لم يأت الكلام المسيء الذي أطلقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري من فراغ، فالرجل يشعر منذ فترة بفائض قوة، فهو الناطق الرئاسي باسم عمه رئيس الجمهورية ميشال عون، وكلمته لا ترد عند رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو المشرف العام على الوزارات التي يشغلها عونيون وخصوصا الطاقة والمياه، والشريك الأساسي في إتخاذ كل القرارات سواء بالتوظيفات أو بالتشكيلات أو بالمشاريع، الأمر الذي دفعه الى التصرف وكأنه الحاكم بأمره في لبنان.


رغم ذلك، لا يهدأ جبران باسيل، فالانتخابات النيابية تسيطر على كل جوارحه، وتدفعه الى نشاط مضاعف داخليا وخارجيا، وربما خوفه من الفشل للمرة الثالثة بالدخول الى مجلس النواب يشكل هاجسا كبيرا له، خصوصا في ظل قانون إنتخابي إكتشف مؤخرا أنه يشكل خطرا حقيقيا عليه، وفي ظل تكتل مسيحي وازن يقف ضده، كونه لم يترك لنفسه صاحبا في الشارع المسيحي وذلك بفعل ″عنترياته″ المتأتية من شعوره بفائض القوة.

لا يفتقر جبران باسيل الى الذكاء، بل على العكس فهو مشهود له فيه، لكن الضغط الذي يعيشه رئيس التيار الوطني الحر، بدءا من الخلافات التي شهدها تياره وخرجت الى الاعلام بانتقادات هي أقرب الى الشتائم، مرورا بالتحدي الذي يشكله له عديله العميد المتقاعد شامل روكز المتصالح مع نفسه والمرتاح على وضعه، وصولا الى إمكانية فشل مؤتمر الطاقة الاغترابية في أبيدجان وظهوره بموقف الضعيف أمام أنصاره، كل ذلك دفع باسيل الى إرتكاب خطأ متعدد الأوجه في لقاء مفتوح في بلدة محمرش البترونية، جعله عرضة لكل أنواع السهام وتصفية الحسابات السياسية.

ليس خافيا على أحد أن جبران باسيل يسعى جاهدا الى شدّ العصب المسيحي عشية الانتخابات النيابية المقبلة، وربما جاءت إساءته الى الرئيس بري بهذا الشكل والكلام عن حقوق المسيحيين وعدم دفعهم الى الهجرة وتوظيفهم في الدولة، عن سابق تصور وتصميم بهدف إستمالة الشارع المسيحي في البترون، لكن ما تناساه باسيل أن قصفه لجبهة عين التينة بهذا الشكل الخارج عن أدبيات السياسة اللبنانية، قد أحرج عمه رئيس الجمهورية ميشال عون، وأربك عهده بخلاف غير قابل للحل مع رئيس السلطة التشريعية، كما أحرج حليفه الاستراتيجي حزب الله الذي لم يستطع تحمل كلام باسيل فرد عليه بقوة منتقدا الاصلاح والتغيير في حال كانا على هذا الشكل، وكذلك أحرج باسيل حليفه الأساسي الرئيس سعد الحريري الذي بدا أمس حائرا بين متخاصميّن تجمعه بكل منهما علاقة سياسية ومصلحة إنتخابية، كما أضاع باسيل كل الانجازات التي كان حققها خلال أزمة الرئيس الحريري في السعودية، وأعاد نفسه الى المربع الأول من خلافاته السياسية مع أطراف عدة على الساحة اللبنانية.

بدا جبران باسيل وهو يطلق كلامه المسيء في بلدة محمرش البترونية، وكأنه ينفذ عملية سياسية إنتحارية أصابته بالدرجة الأولى وطالت شظاياها كل حلفائه، علما أنه في حال كان يسعى الى كسب عدد من أصوات المسيحيين بكلامه التصعيدي، فإنه أهدر بشكل حاسم أكثر من ألف صوت شيعي في البترون، ومثلهم من السنة الذين قد لا يلتزمون بتوجهات الرئيس الحريري بعد الاعتراض الأفقي على آدائه في الحكم، كما من شأن كلامه أن يؤدي الى مزيد من التشابك بين خصومه لا سيما النائب بطرس حرب والقوات اللبنانية والمردة والكتائب وبعض الشخصيات المستقلة، الأمر الذي قد يؤدي الى تصعيب مهمته الانتخابية في البترون خصوصا وفي دائرتها عموما.

كان يمكن للوزير باسيل أن يعلن إعتذارا سريعا وأن يساهم في وأد الفتنة في مهدها وأن يعيد كل الأمور الى نصابها، لكن عدم مبادرته الى ذلك، إستدرج أنصار الرئيس بري وحركة أمل الى معالجة الخطأ بخطأ أكبر، تُرجم في شوارع بيروت وصولا الى مركز التيار الوطني الحر في سنتر ميرنا الشالوحي الذي شهد إجتماعا مسائيا ترأسه باسيل أوحى بأن الأمور متجهة نحو التصعيد، ما سيدفع الأزمة السياسية بين بري والتيار الوطني الحر الى مزيد من التعقيد بعد تشعبها بدءا بمرسوم أقدمية الضباط، مرورا بتعديلات قانون الانتخاب، وصولا الى الاساءات التي أرخت بثقلها على اللبنانيين من بيروت الى أبيدجان، ما سيجعل لبنان في عين العاصفة، ويجعل إنتخاباته النيابية المرتقبة في مهب الريح.