تحت عنوان "إقتصاد أميركا في السنة الأولى من ولاية ترامب" كتب مسعود المعلوف في صحيفة "الجمهورية": "تمكّن دونالد ترامب، في الإنتخابات التمهيديّة للحزب الجمهوري خلال العام 2016، من التغلّب على ستة عشر مرشحاً آخرين كان معظمهم يفوقونه خبرة ومعرفة بخفايا السياسة الأميركيّة وبالحملات الإنتخابية، وذلك على رغم ما كان يحمل معه من إرثٍ فضائحي في أمور أخلاقية وجنسية ومالية، وعلى رغم المواقف المتناقضة والمتطرّفة والعنصرية التي كان يُطلقها بين الحين والآخر، لدرجة أنّ منافِسته من الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون كانت سعيدة جداً عندما اختير ليكون هو بالذات المرشّح الجمهوري لثقتها بعدم إمكانية دخول مرشّح من أمثاله البيت الأبيض. ولكنه فاجأ الجميع وأصبح الرئيسَ الخامس والأربعين للولايات المتحدة.

وقد توقّع كثيرون، بعدما تسلّم ترامب الرئاسة، أنه سيُغيّر سلوكه ويُصبح أكثر رصانةً وموضوعيّة، وأنّه سيسعى إلى تضييق الهوّة بين الجمهوريّين والديموقراطيّين واجتذاب قسم من المواطنين الذين لم يصوّتوا له مثلما كان يفعل كلّ من أسلافه في بداية ولايته عبر الإبتعاد بعض الشيء عن مواقف الحزب الذي ينتمي إليه والإقتراب من الوسط السياسي لكي يكون رئيساً للجميع وليس لمحازبيه فحسب.

ولكن هنا أيضاً، وبعد سنة كاملة على تولّيه الرئاسة، لم يُحقّق ترامب الآمال بل بقيَ يتصرَّف وكأنّه ما زال مرشّحاً لا يهمّه سوى التركيز على برنامجه الإنتخابي.

فخلال السنة الأولى من رئاسته، تمسَّك بمواقفه العنصرية عبر اتّخاذ قرار بمنع دخول مواطنين من ست دول إسلامية، متسائلاً في أحد الإجتماعات مع بعض أعضاء الكونغرس لماذا على الولايات المتّحدة قبول مهاجرين من دول ومناطق وصَفها بأنّها أوكار قذارة مثل هايتي وأفريقيا.

كما استمرّ في إطلاق تغريدات يوميّة منها ما يتعلّق بانتقاد للمرشحة هيلاري كلينتون، ومنها ما يناقض مواقف وزراء في حكومته ومعظمها يتّهم أكثرية وسائل الإعلام بترويج أنباء كاذبة، لدرجة أنّه أصبح يصِف باستمرار الصحف الأميركية الرصينة مثل "الواشنطن بوست" و"نيويورك تايمز» وسواها، ومحطات تلفزيون شهيرة مثل "سي أن أن" وغيرها بأنها تروّج أنباءَ كاذبة.

من جهة ثانية، طرد ترامب عدداً غير قليل من مساعديه الكبار في البيت الأبيض لمجرّد تساؤلهم عن جدوى بعض المواقف التي يتّخذها، كما استقال آخرون بملء إرادتهم، كما أنّ مدراء ومستشارين كباراً في حملته الإنتخابية هم حالياً قيد التحقيق لدى لجان في الكونغرس ولدى محقّق خاص بتهمة إمكانية حصول تواطؤ مع روسيا أثناء الحملة، وقد أعرب المحقّق الخاص عن احتمال استجواب ترامب شخصياً في هذا الموضوع وفي حال ثبوت أيّ تواطُؤ، فإن رئاسة ترامب ستتعرّض لزعزعة كبرى".

في مثل هذه الأجواء من عدم الإستقرار، من المتوقع أن يتراجع الإقتصاد الوطني وتنخفض نسبة النموّ وتزداد البطالة، إلّا أنّ مفاجآت ترامب لا تقتصر على سيّئات الأمور، بل له أيضاً مفاجآت سارّة خاصة على الصعيد الإقتصادي، إذ منذ تسلّمه الرئاسة، شهد الإقتصاد الأميركي تقدّماً ملحوظاً، فيما يلي أهم مؤشراته:

- أولاً: نسبة النموّ: سجّل الناتج المحلّي القائم نسبة نموّ بلغت 3 في المئة في السنة الأولى لتسلّم ترامب الرئاسة، وهذه نسبة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة. وقد كان الإختصاصيّون يتوقعون نسبة نحو 2 في المئة، إلّا أنّ النتائج فاقت التوقعات وسجّل الإقتصاد الوطني نموّاً ملموساً في السنة الأولى من رئاسة ترامب.

- ثانياً: البطالة: تدنّت نسبة البطالة في الولايات المتحدة الى 4,1 في المئة، إذ إنّ أكثر من مليوني مواطن استطاعوا إيجاد عمل عام 2017، وهذا رقم جيد جداً ويعود ذلك - حسب ترامب ومؤيّديه - إلى قانون خفض الضرائب على الشركات الذي وعَد ترامب بتحقيقه وتمكّن من إصداره في آخر العام الماضي، ممّا زاد من نسبة أرباح الشركات التي وسّعت أعمالها نتيجةً لذلك وزادت نسبة التوظيف فيها، كما أنّ شركاتٍ أميركية عادت الى الولايات المتحدة بعدما كانت قد انتقلت الى دول أخرى بسبب ارتفاع الضرائب في الماضي".

- ثالثاً: البورصة: منذ تولّي ترامب الرئاسة في مطلع عام 2017 بدأت البورصة في نيويورك ترتفع باضطراد مسجّلة الرقم القياسي تلوَ الآخر بصورة أسبوعية، إذ سجّلت ارتفاعاً بلغ 5,000 نقطة أي ما يعادل 27 في المئة، في السنة الاولى من ولاية ترامب، وفي ذلك ما يوحي بثقة واضحة بالإقتصاد الأميركي.

- رابعاً: الصناعة: شهدت الصناعة أيضاً تطوّراً ملموساً في السنة الأولى من ولاية ترامب وكذلك المناجم، بعدما ألغى ترامب معظم القيود البيئية التي كانت فرضتها إدارة أوباما، إلّا أنّ ترامب لا يُعير أهميّة لمسائل البيئة، ومن هذا المنطلق انسحب من اتفاق باريس للتغيّر المناخي. كان أوباما قد فرض قيوداً قاسية على مناجم الفحم الحجري بصورة خاصة لما تبثّه من غازات من شأنها التأثير على المناخ والبيئة، ولكنّ ترامب، بإلغائه قرارات أوباما البيئية، ساهم في إعادة الإستثمار في المناجم ما ساعد على تحريك الدورة الإقتصادية.

يتّفق الجميع على أنّ الإقتصاد الأميركي شهد تطوّراً ملموساً في السنة الأولى من تسلّم ترامب الرئاسة، إلّا أنّ المؤيّدين لترامب يعطون الرئيس الفضل الأوّل في تحقيق ذلك بينما خصومه يقولون إن لا فضل له في هذه النتائج الإيجابية للاقتصاد لأسباب عدة، أهمّها أنّ الإقتصاد الأميركي بدأ ينتعش في عهد أوباما، وهذا المنحى استمرّ خصوصاً أنّ القرارات التي اتّخذها ترامب لم يحن بعد وقتُ بروز مفاعيلها على الأرض.

يقول أيضاً مناهضو ترامب أنّ معظم دول العالم تشهد نموّاً اقتصادياً غير مسبوق، وأنّ البورصات العالمية في معظمها ارتفعت أرقامُها بنسب عالية فاقت أحياناً ما حقّقته سوق العملات الأميركية، كما أنّ للإقتصاد عموماً دورات إذ بعد بضع سنوات من الركود يبدأ الإقتصاد بالنموّ، ومن ثمّ يتراجع مجدداً، وبما أنّ الدورة الإقتصادية مدّتها سبع أو ثماني سنوات فلم يبقَ أمام الدورة الحالية المتصاعدة التي بدأت في أوائل عهد أوباما إلّا وقت قصير ومن ثمّ ستبدأ دورة التراجع الإقتصادي.

لا شك في أنّ الإقتصاد الأميركي كان قد سجّل تقدّماً مهماً أيام أوباما الذي تسلّم الرئاسة ونسبة البطالة في الولايات المتحدة 10 في المئة، ثمّ انخفضت هذه النسبة الى 4,8 في المئة، في آخر عهده، والإقتصاد العالمي أيضاً سجّل تحسّناً لافتاً في السنة الماضية والولايات المتحدة هي جزء منه يصيبها ما يصيبه من تحسّن أو تراجع، ولكن لا شك أيضاً في أنّ ترامب، على رغم الظروف السلبية الكثيرة التي تحيط برئاسته، لكنّه في الوقت نفسه موضع ثقة للمستثمرين ورجال الأعمال، ربما بفضل نجاحاته الشخصية على الصعيد المالي، وقد يكون وجودُه في سدّة الرئاسة يساهم في تحقيق بعض الإستقرار المالي والإقتصادي كما تشهد البلاد في الوقت الحاضر.