قبل سنوات قام وفد من ″المبادرة السنية″ بزيارة الرئيس فؤاد السنيورة لتقديم وثيقتها السياسية، والطلب منه تسمية ممثل عن تيار المستقبل ليكون ضمن ″المبادرة″ التي كانت تهدف الى إطلاق حراك سياسي في لبنان.

يذكر بعض المشاركين في الاجتماع، أن إستقبال الرئيس السنيورة لهم لم يكن لائقا، وهو منع الصحافيين الذين كانوا متواجدين من إلتقاط الصور للاجتماع، وأبلغ الوفد صراحة رفضه تمثيل المستقبل في ″المبادرة″، مؤكدا أن العمل السياسي ضمن الطائفة السنية في لبنان يكون تحت عباءة تيار المستقبل، وأن العمل الديني يكون تحت عباءة دار الفتوى.

موقف السنيورة عكس في حينها توجهات الرئيس سعد الحريري الذي منذ أن دخل المعترك السياسي، وهو يسعى الى التفرد بقرار الطائفة السنية، محاولا إلغاء وتهميش كل القيادات السنية الأخرى، واضعا إياهم أمام خيارين فإما أن يكون عملهم السياسي تحت إمرته ومن ضمن تيار المستقبل، أو أن يكونوا حلفاء لحزب الله والنظام السوري ومشاركين في إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

لم يأخذ الرئيس الحريري العبرة من التجارب الكثيرة التي مرّ بها وأثبتت أنه لا يمكن له أن يتفرد بالقرار السني في لبنان، لا سيما في ظل وجود قيادات سنية وازنة تقاسمه الشعبية والحضور ورئاسة الحكومة، لذلك، عندما خرج من الحكم إستخدم كل ما يمتلك من أسلحة مشروعة وغير مشروعة لمحاربة الرئيس نجيب ميقاتي، وعمل على تشغيل كل ماكيناته الاعلامية لتشويه صورة حكومته التي حافظ رئيسها على الموظفين السنة الذين كان حزب الله يطلب رؤوسهم، وموّل المحكمة الدولية لسنتين متتاليتين، وتعامل برقي سياسي مع تيار المستقبل ولم يمارس عليه أي كيدية بالرغم من الحرب الزرقاء المفتوحة ضده.

لم يمض أشهر قليلة بعد إستقالة الرئيس نجيب ميقاتي، حتى عاد الرئيس الحريري الى الحكومة عبر الرئيس تمام سلام، حيث قبل على نفسه كل ما رفضه لحكومة ميقاتي، ثم بالغ في التنازلات وصولا الى ترشيح سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية ومن ثم إنتخاب الرئيس العماد ميشال عون.

مع ترؤسه حكومة العهد الأولى نسج الحريري تحالفا سياسيا وإنتخابيا مع التيار الوطني الحر، وتعاون مع حزب الله الذي كان عقد معه 43 جلسة حوار بالرغم من لاءاته الشهيرة التي أطلقها بأن لا حوار ولا جلوس ولا حكومة مع الحزب إلا بخروجه من سوريا، وبتسليمه سلاحه الى الدولة اللبنانية، وبتسليمه المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى المحكمة الدولية، وكل ذلك لم يحصل.

تبدلت الظروف السياسية، ضَعُف الحريري وتراجعت شعبيته، وتوقفت خدماته بفعل أزمته المالية، ودارت الدائرة عليه من المملكة السعودية  الى حلفائه وبيته الداخلي، ورغم كل ذلك لم يبادر زعيم المستقبل الى تحسين علاقته مع القيادات السياسية من أبناء طائفته، وهو عندما تحالف معهم إنتخابيا في الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس، لم يكتب لهذا التحالف النجاح. اللافت أن الحريري ذهب باتجاه التحالف الوثيق مع التيار الوطني الحر، حتى أن كثيرا ممن يلتقون رئيس الحكومة يأخذون عليه حرصه على مراجعة الوزير جبران باسيل في أكثر القضايا، كما ذهب الى تعاون واضح مع حزب الله مع غزل سياسي من العيار الثقيل، فضلا عن حرصه على كسب ود الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، وسعيه الحثيث من أجل مصالحة القوات اللبنانية والوقوف على خاطر رئيسها سمير جعجع، وصولا الى صداقته مع زعيم المردة سليمان فرنجية، في حين أن كل هذا الحب لم يتسرب أي جزء منه باتجاه طائفته، ليساهم في رأب الصدع بينه وبين القيادات السنية القادرة على مؤازته وحمايته والوقوف الى جانبه أكثر من كل التيارات والأحزاب من الطوائف والمذاهب الأخرى.

لا يتوانى الحريري عن محاربة الرئيس نجيب ميقاتي الذي ملّ القيام بمبادرات إيجابية تجاهه، إنطلاقا من إعتماده الدائم لمبدأ اليد الممدودة، ويعادي الحريري الوزير السابق أشرف ريفي، ويخاصم عبدالرحيم مراد في البقاع، وفؤاد مخزومي في بيروت،  وأسامة سعد في صيدا، وفيصل كرامي في طرابلس، وجهاد الصمد في الضنية، ووجيه البعريني في عكار، إضافة الى مناكفته الجماعة الاسلامية، وجمعية المشاريع وحركة التوحيد، والتيارات السلفية، وكثير من القيادات الأخرى، في حين أن علاقة الحريري مع النائب محمد الصفدي غير مقطوعة وهي عادت الى طبيعتها قبل فترة من دون أن تخلو من التجاذبات، لكن الصفدي حتى الآن لم يحسم قراره بالتحالف مع الحريري في الانتخابات المقبلة.

ويرى متابعون أن الحريري يساهم من خلال سلوكه السياسي في شرذمة السنة في لبنان في الوقت الذي تقوم فيه كل التيارات السياسية في الطوائف الأخرى بتجميع بعضها البعض، ويشير هؤلاء الى أن الحريري  ليس له أي حليف سني يشد أزره أو يدافع عنه، مؤكدين أنه سيشعر بالندم عاجلا أم آجلا خصوصا أن كل خصومه السياسين الحاليين سيحجزون أماكن لهم مع حلفاء في مجلس النواب بفعل القانون النسبي والصوت التفضيلي.