ليس بالضرورة، أن تقع «الزلازل الارتدادية» المتلازمة مع «زلزال كبير» في الشوارع مثل الذي وقع منذ مدة قريبة في شوارع 80 مدينة على امتداد إيران، بل من الممكن أن تحصل في قلب مكوّنات النظام الثابت منذ ربع قرن، وتظهر الشروخ على السطح الذي مهما كان يحدث في السابق، كان المستور يبقى مستوراً، بحيث لا يتسلّل إلا ما ندُر منه خارج أسوار ما أطلق عليه «كرملين» الجمهورية الإسلامية، وهي المنطقة التي تضم مراكز السلطة الأساسية أي مقرّ المرشد آية الله علي خامنئي ومجلس الشورى ورئاسة الجمهورية..

أخطر ما في هذه «الزلازل الارتدادية»، أنّها طالت المرشد آية الله خامنئي، الذي كان الاقتراب من حضوره وصولاً إلى شرعيّته من سابع المحرّمات، فإذا بها الآن تصبح حديث التلفزيونات والمواقع الاجتماعية. الفيديو المسرّب كان موجوداً ومعروفاً، لكن كان الكلام عنه ممنوعاً ولو سرّاً، لأنّه أساساً يؤكد عدم أهليّة خامنئي لتولّي منصب الوليّ الفقيه، فهو ليس عالماً ولا فقيهاً. هاشمي رفسنجاني (ارتفع منسوب الحديث والاتهامات العلنية بأنّه اغتيل) ومعه آية الله جنّتي تحايلا على الجميع وتبنّياه خليفه للإمام الخميني. في الأصل خامنئي لم تكن له «رسالة»، وقد كُتبت له على عجل حول تفسير أحكام للإمام الخميني والتعليق عليها. حتى «رسالته» ليكون «حجة إسلام» كانت عن «الإخوان المسلمين» و«سيّد قطب». ولا شك أنّ تداول الفيديو هو محاولة جادّة لضرب «شرعية» خامنئي. مثل هذا العمل لا يمرّ في إيران إن لم يكن خلفه قرار من مراكز عليا. مركز «سحام» التابع للشيخ مهدي كروبي، المفروضة عليه الإقامة الجبرية منذ 2009، قال: «إنّ مجموعة من مراجع قُم وأخرى من الحرس الثوري وثالثة من الأجهزة الأمنية وراء هذا التسريب»، مؤكداً بذلك نقل «حرب الخلافة» من السرّ إلى العلن، لتتحوّل بذلك إلى نقاش علني، يُنتج البديل. وإذا كان من الصعب الآن حسم اسم البديل، وإن كان حسن روحاني الأبرز، فإنّ دخول مراجع قُم في «الحرب»، قد يؤشّر إلى إمكانية طرح مشروع هاشمي رفسنجاني الأخير وهو تشكيل «ترويكا» تحقق التوازن وتحوز على موافقة مجمل مراكز القوى ومعها بطبيعة الحال "البازار".

هذا التحول الكبير، لم يكن ليحصل لولا إدراك كل مواقع القرار بما فيها المرشد علي خامنئي، أنّه لم يعد من الممكن احتواء «الشارع» الإيراني بالوعود أو حتى بقرارات موقتة، لأنّ كل الأسباب الموجبة والشرعية قد فاضَ منسوبها شعبياً، بحيث أنّ «القنابل الموقوتة» أصبحت عديدة ولم يعد ممكناً الحؤول دون انفجارها فجأة.

الفساد تجاوز كل الحدود. تخصيص 150 مليون دولار لمكافحة الغبار، كشف عمق أزمة النقص في المياه الذي سبّبته السياسة الخاطئة والفاسدة للثروة المائية في إيران. إذ جرى بناء 600 سدّ خلال 30 سنة، من غير المعروف كلفتها، خصوصاً أنّ مقاولين كباراً على علاقة مع جنرالات «الحرس الثوري» هم الذين تولّوا ذلك. أخطر ما في ذلك، أنّه تبيّن الآن أن معظم هذه السدود بلا فائدة. وبسبب سوء الإدارة جفّت أنهار ضخمة ونزح 16 مليوناً من الريف إلى المدن بحيث شكّلوا «الجسم الأساسي» في المظاهرات، وهم كلما تصاعدت بطالتهم وتعمّق فقرهم ازدادوا استعداداً للإنفجار (وهذا كلّه وردَ في تقرير أمني رُفع إلى الرئيس روحاني وعملت قوى مجهولة – معلومة على تسريبه).

من دلائل «الانهيار» داخل مراكز القوى، أنّ صادق لاريجاني رئيس القضاء المُتّهم بالفساد قرّر رفع الغطاء عن أي عامل معه يُتّهم بالفساد لـ«محاربة الفساد». في هذا، الضدّ يخدم ضدّه فهو يبعد التهمة عنه باتّهام القضاة والموظفين معه بالفساد، في محاولة لتبرئة نفسه، لكن ذلك لن يعيده إلى حلبة المنافسة لخلافة المرشد.

في «حرب الخلافة»، يوجد طرف آخر يواجه علناً وهو أحمدي نجاد، السؤال إلى أين سيصل خصوصاً أنّ هدفه الأساسي المرشد والآخر روحاني؟

سبعة من مستشاري نجاد أبرزهم اسفنديار مشائي وحميد بقائي وعلي أكبر جوان طالبوا بحق التظاهر علناً، ولا شك أن نجاد يملك الكثير من الوثائق التي جمعها طوال ثماني سنوات من رئاسته. ولذلك فإنّه رجل يخيف المرشد الذي تبنّاه ثم حاربه، ليبقى السؤال لماذا وقع الخصام، فالجفاء، فالطلاق بينهما؟

المرشد آية الله علي خامنئي سارع بعد ربع قرن من السلطة إلى الالتفاف على المشكلة الأساسية وهي إمساك «الحرس الثوري» بالاقتصاد الإيراني بقرار منه، بحيث تضخّمت مؤسسة «خاتم الأنبياء» التابعة للحرس لتضم 135 ألف موظف ينشطون في التنمية المدنية وقطاعَي النفط والغاز، يضاف إليها نفوذ الحرس في 221 شركة تسيطر على حوالى 40 في المئة من الاقتصاد. وزير الدفاع الجنرال أمير حاتمي (وهو أول جنرال في الجيش يتولى هذا المنصب) كشف أنّ المرشد «أمر الحرس الثوري بتخفيف قبضته على الاقتصاد عبر النأي عن النشاطات الاقتصادية غير المرتبطة مباشرة بعملهم».

كل هذا الوجه السلطوي للأزمة محدود، أمام الأسباب الشعبية الضخمة والعميقة وأهمها البطالة والتضخم وعدم قدرة السوق على مواجهة موجات الشباب الزاحفة كل سنة، والانفصام بين سلطة مشكّلة من مجتمع نصف أعمار أفراده تحت 35 سنة.

سعيد حجاربان الوجه الإصلاحي البارز الذي كان أحد قادة احتلال السفارة الأميركية والمنظّر لها، الذي تحوّل عن مواقفه بحيث كان أوّل الداعين للحوار مع واشنطن، وأصبح مشلولاً بعد محاولة اغتياله، دعا إلى مساندة الرئيس روحاني في مجلة «دنباي اقتصاد» وأكد «أنّ الاحتجاجات ستعود وبشكل أكبر إذا لم يتعامل المسؤولون بشكل مؤثّر وإيجابي مع أسباب الانفجار».