القوى السنية تخشى من أن يتحول الحشد الشعبي إلى منافس لها على مقاعد المحافظات السنية مع استمرار سيطرته على السلاح في تلك المناطق
 

تطالب شخصيات عراقية سنية رئيس الوزراء حيدر العبادي بإصدار تعليمات لسحب ميليشيا الحشد الشعبي من المحافظات السنية كأحد الشروط الضرورية لإنجاح الانتخابات المقررة ليوم 12 مايو القادم. لكن إلى الآن لم ترشح أي مؤشرات على أن العبادي سيتخذ هذه الخطوة.

ولم يقتنع طيف مؤثر من الوسط السياسي السني بأن إقرار البرلمان قانون الانتخابات، هو الرد النهائي على مطلبه بتأجيل الاقتراع.

وتتخوف القوى السياسية السُنية من أن تفقد الكثير من تمثيلها في الحكومة والبرلمان القادمين في حال عدم مشاركة أكثر من مليوني نازح في الانتخابات.

وحسم البرلمان، مطلع الأسبوع، الجدل بشأن موعد الانتخابات بعد صدور قرار قضائي ومرسوم من رئيس الجمهورية، ليثبّت يوم 12 مايو القادم موعدا للاقتراع العام.

ويواصل نواب سنة في البرلمان العراقي التلويح بإمكانية مقاطعتهم الانتخابات، في حال لم تف الحكومة بوعودها التي تضمن نزاهة الاقتراع.

ويضغط هؤلاء لإخراج الحشد الشعبي من المناطق ذات الغالبية السنية قبل إجراء الانتخابات، وهو مطلب يحاكي رغبة شعبية واسعة في عدد من المحافظات.

واحتفظت بعض الفصائل المسلحة المنضوية ضمن الحشد الشعبي بجزء من قواتها في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار التي يغلب السنة على سكانها، بالرغم من اكتمال عمليات تطهيرها.

وتعاني المناطق السنية من تدمير بناها التحتية ونقص في الخدمات الأساسية وندرة فرص العمل، فيما يبدو المستقبل قاتما في ظل استمرار عجز موازنة الدولة العراقية.

وتخشى القوى السنية من أن يتحول الحشد الشعبي إلى منافس لها على مقاعد هذه المحافظات، مع استمرار سيطرته على السلاح في ظل الفوضى الأمنية في هذه المناطق بعد تحريرها.

وأشعلت مخاوف السكان حقيقة أن الفصائل التي احتفظت بمقاتليها في المناطق السنية موالية لإيران، وعرفت بصلتها المتوترة مع رئيس الوزراء حيدر العبادي.

ولا يجد الكثير من الساسة السنة شيئا يقولونه لجمهورهم المفترض، غير وعدهم بإبعاد الحشد الشعبي عن المناطق السنية.

ولكن هذا المطلب الشعبي، ربما يمثل فرصة أمام العبادي لاختراق الوسط السني انتخابيا، بحسب مراقبين.

وربما يعاقب الناخبون السنة ممثليهم في البرلمان والحكومة، بعدما عجزوا عن التخفيف من معاناة أبناء هذا المكون، خلال موجة نزوح كبرى من مناطقهم عقب سيطرة تنظيم داعش عليها صيف 2014.

وتعرضت شعبية العبادي المتنامية إلى اهتزاز مؤقت، عندما أعلن تحالفه مع فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، لخوض الانتخابات المقررة في 12 مايو القادم ضمن قائمة موحدة.

وبحسب مراقبين، فإن العبادي الذي بدأ في اكتساب ثقة مختلف المكونات الديموغرافية في العراق نسبيا مع نجاحه في عملية طرد تنظيم داعش من جميع معاقله الكبيرة في البلاد، تعرض إلى نكسة شعبية بعدما تحالف مع “عدو السنة الأول حاليا، وهو الحشد الشعبي الخاضع لإيران”.


سحب الميليشيات جواز مرور العبادي إلى المناطق السنية
ومع أن تحالف العبادي والحشد لم يستمر إلا 10 ساعات قبل أن ينهار في ظروف غامضة، إلا أن علامات استفهام كثيرة وضعت على توجهات رئيس الوزراء الانتخابية، فيما يقول مراقبون إن “هذه التحولات السريعة أضرت بشعبيته”.

وفي حال اتخذ العبادي قرارات واضحة بشأن وجود الحشد الشعبي في المناطق السنية، فقد يحظى بدعم جماهيري جديد يعزز حظوظه في الانتخابات المقبلة.

ويقول مراقبون إن “صدور قرار بسحب الحشد الشعبي من المناطق السنية سيمثل جواز مرور للعبادي نحو الناخبين السنة، ويوفر لهم بديلا محتملا بعدما شاعت في مناطقهم دعوة لمقاطعة الانتخابات”.

وبحسب مصادر سياسية تحدثت مع “العرب”، فقد عدلت قوى سياسية سنية عديدة في بغداد والأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، عن قرار التحالف مع العبادي عندما تحالف مع الحشد الشعبي. لكن هذه القوى لم تعد لديها مشكلة في العمل مع العبادي مجددا.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أن العبادي لا يقوى على إصدار أوامر للحشد الشعبي، بالرغم مما قيل من أن قوات الحشد تابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة التي يترأسها بنفسه. ونظريا فإن التشديد على ضرورة انسحاب الحشد الشعبي من المناطق ذات الأغلبية السنية يعزز من وجهة نظر الأحزاب السنية التي تدين الحشد بارتكاب جرائم في تلك المناطق، وهو ما يرفض الاعتراف به الزعماء الشيعة ومنهم العبادي.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن “سكان المناطق المحررة من داعش قد فقدوا الثقة بسياسييهم الذين خذلوهم مرتين، مرة حين احتلت مناطقهم ومرة أخرى حين حررت بطريقة عنيفة أدت إلى تدمير الجزء الأكبر منها وإلحاق أضرار هائلة بالمدنيين”.

وأكد على أن أهالي محافظات نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين لا يثقون بالسياسيين الشيعة أيضا. فأولئك السياسيون هم المسؤولون بشكل مباشر عما انتهت إليه الأحوال في تلك المناطق من خراب شامل.

واستبعد أن تذهب أصوات الناخبين إلى مرشحين شيعة في ظل استمرار التجاذب الطائفي.

ولم يقدم العبادي من جهته وعودا على مستوى الإعمار أو على الأقل على مستوى تخفيف التوتر الذي تعاني منه المناطق ذات الأغلبية السنية التي لا يزال جزء كبير من سكانها غير قادر على العودة إليها. كما أن تحالفات العبادي لم تسفر إلا عن توجه طائفي، سيكون سببا في المزيد من التخندق الطائفي الذي لا يشير إلى إمكانية حدوث تغيير في المعادلات السياسية.

وخيب العبادي آمال الكثير من الناخبين في المناطق المحررة من داعش، بخلو قائمته التحالفية من أي شخصية سنية بارزة.

ويقول مراقبون إن “العبادي يمكن أن يستغل مخاوف الجمهور السني من الحشد الشعبي، ويحولها إلى رصيد انتخابي”.

وباستثناء إياد علاوي الذي ينحدر من أصول شيعية، وحقق فوزا كاسحا في المناطق السنية في العام 2010، لم يسبق لأي مرشح أن نال ثقة ناخبين من غير طائفته خلال العمليات الانتخابية التي شهدها العراق.