ينتج لبنان، والأصح ان نقول إنه يستفرغ يومياً ستة آلاف طن من الزبالة، لكنه يختنق يومياً بستة آلاف طن من الترهات والتراشق بالإتهامات، التي إن لم تكن من نفاية الكلام، فإنها من نفاية المعالجات والحلول المطلوبة لمنع تحوّل هذا البلد مزبلة في تاريخ الدول!

باستثناء مسارعة الرئيس سعد الحريري الى الإيعاز أول من أمس بتنظيف فوري للشاطئ المنكوب في كسروان، كان البلد غارقاً في أكوام من الترّهات، ولم يكن ينقصنا غير تشكيل “هيئة وطنية لإستقصاء أصل الزبالة”، وتحديد من أين هجمت علينا، من البحر الأبيض “المتوسخ” أم من إبن الكلب نهر الكلب. ولأننا يمكن ان نغرق في الخلاف على أعضاء هذه الهيئة المفترضة، علينا ان نتذكر ان الصراخ يعلو في عكار أيضاً حيث احتلّت النفايات الشاطئ من العبدة الى العريضة، فهل تستطيع الهيئة الوطنية للإغاثة ان تملأ الشاطئ بالجرافات لتعمل على تجميع النفايات التي لا نعرف الى أين سنأخذها؟

لم تكن المشكلة أمس في اجتياح الزبالة بل من أين أتت، من البحر أم من نهر الكلب، الذي سيقول بعضهم إن زبالته وصلت جنوباً الى الدورة وشمالاً الى العريضة، فليس المهم كيف نعالج المشكلة التي تتراكم منذ أعوام، بل كيف نمنع الحديث عنها وكيف نصور كل اتهام حولها شعبوية ودعايات إنتخابية!

يا جماعة عيب، لجنة فنيين للتدقيق في مصدر الزبالة؟

لكأن مجرى النهر مجرم، أما البحر فضحيّة مظلومة تنام على أقدام كاسر الموج. لكن المشكلة لم تعد في كارثة شاطئ كسروان، بل في كارثة أن يذهب سامي الجميل مثلاً ويقرأ بياناً إتهامياً في حق الدولة القاصرة، من قوس “المحكمة الجنائية” التي رسمتها النفايات في ضبية، وكأن كل شبر من هذا الشاطئ ومن ذاك النهر وذلك الوادي، ليس “محكمة جنائية” يجب ان تدين الذين سكتوا منذ عشرين عاماً عن المأساة والذين يتراشقون بالتهم من دون الإلتفات الى ضرورة حلّ المشكلة!

يا عمي، استحوا، هناك بلديات صغيرة في لبنان حلّت مشكلة النفايات علمياً وبأقل التكاليف، وليس في وسع هذه الدولة القعيدة وحكوماتها المتعاقبة ان تشتري بمئات الملايين التي نصرفها حلاً غير “زبّلوا ونحن نكبّ في البحر”.

كل هذا الزعيق المزمن وكل هذه التظاهرات، وكل صراخ تمام سلام من باب السرايا “نعم عندنا نفايات سياسية”، ولم نجد بالأمس غير توجيه الإتهامات بالشعبوية، لكأن الشعب اللبناني سعيد بهذا المرج المنبسط من النايلون والقاذورات التي تملأ مجاري الأنهر وشواطئ المدن وسبق لها في عام ٢٠١٥ أن ارتفعت الى شرفات المنازل.

الشعب؟ باطل الأباطيل إن لم يكن هذا الشعب غداً في الإنتخابات بحراً يلفظكم من المسؤولية!