مَن منّا لا يريد أن يعرف سرّ النجاح على السوشل ميديا؟ وكيف يمكنه جمع أكبر عدد من المتابعين لتسجيل أكبر كميّة ممكنة من اللايكات والكومنتات؟ نريد ذلك وبقوّة، لدرجة اننا أصبحنا مستعدّين أن نتعامل مع الجنّ والعفاريت، وصرف ما في الجيب وما في الغيب، وحتى استشارة ورقة كلينكس مرميّة على مكتب فاشونيستا أو انفلوينسر للغوص في ماورائيّات مواقع التواصل الاجتماعي وفهم لغزها.

لكن صدّقوني، فهم أسرار السوشل ميديا أبسط بكثير مما كنّا نعتقد، ويكفي أن يكون الشخص قد شاهد لمرّة واحدة في حياته «قنّ دجاج» وتناول من بعدها مباشرة «ديك بلدي محشي»، حتى يعرف الفارق بين حجم الديك الحيّ والديك المنتوف، ويجد كل مفاتيح أبواب وغالات هذا العالم الافتراضي... وللذين لم يتسنّ لهم خوض هذه التجربة، يكفي أن تتخايلوا معنا كيف يكون الديك في القنّ وعلى مزبلته وبين دجاجاته ريشه منفوش، لدرجة تحسّ أنّ الحديقة بأكملها لا تتّسع لبطولاته وعنجهيته... ومن ثم تخايلوا معنا كيف تقبض جدتنا على هذا الديك، وتنتف ريشه، فيتحوّل ذلك الديناصور المهيب إلى صوص زهري مرمي بحقارة بين قطع الجزر والبصل في قاع طنجرة عتيقة.

وهذا هو حال كثير من الشخصيات والفنّانين والمؤثّرين والإعلاميين والنقّاد على مواقع التواصل الإجتماعي، ينفشون حساباتهم بالأرقام لدرجة تجعل المتابع يحسّ نفسه قزماً وبلا قيمة، ولكن بمجرّد أن يحقّق الشخص قليلاً في تفاصيل هذه الحسابات والأرقام حتى يكتشف الصوص المختبئ داخل طنجرة السوشل ميديا.

نحن ميّالون بطبيعتنا الى أن نتأثّر بالأشخاص الذين يملكون أكثر منّا، سواء المال أو المقتنيات أو المنازل والملابس والمتابعين والمليّكين والمعلّقين... وأصبحنا نعيش الآن على وقع الأرقام، فننتظر عدد المشاهدات حتى نعرف أن الأغنية جميلة وتستحقّ الإستماع، ونتابع عدّاد الليكات والكومنتات حتى نتأكّد أن الصورة معبّرة وتحمل المعاني، ويهمّنا عدد الريتويتات لنفهم أنّ تلك الجملة حقّاً مفيدة.

لكن للأسف، ننسى أحياناً أنّ هناك بعض الفنّانين والمؤثّرين والإعلاميين الذين ينفشون ريشهم على مواقع التواصل الإجتماعي بمتابعين وهميين يدفعون ثمنهم وثمن صيانة تفاعلهم الوهمي بشكل شهري، فلا يكاد الواحد منهم ينشر صورة على «انستاغرام» أو جملة على «تويتر» حتى يحقّق رقماً معيّناً من «اللايك» و«الريتويت» يكون هو نفسه تقريباً مع كل منشور جديد، وإذا تعمّقنا أكثر في البحث لوجدنا أنّ أكثر من 95 في المئة من المتفاعلين هم مجرّد حسابات وهمية و«كودات» إلكترونية.

والأسوأ من هذا كلّه أنّ هؤلاء الذين يغشّوننا بحجمهم، يبتزّون المحطات ومنظّمي الحفلات بهذه الأرقام الوهمية لرفع سعر مشاركتهم في حلقة تلفزيونية أو إحياء حفل فنّي... ومثلاً شو بتقول: «ما أنا عندي كذا مليون متابع على انستاغرام»، وهي لا يتابعها في الحقيقة إلّا أولئك الذين أرسلت لهم بطاقات دعوة إلى حفلتها... أو ذاك الإعلامي أو المؤثّر أو الناقد، الذي يشترط على سعر مقاله أو ثمن ظهوره في حلقة أو أكله في مطعم لأنّ «أقلّ بوست على تويتر بيجيب شي 200 ريتويت»، وهو ما في غير الناطور تذَكّر يعمِلّو ريتويت هو وعم يلمّ كيس الزبالة من قِدّام بيتو، والباقون 199 كود دفع سعرهم من بطاقة الائتمان.

لا أحد ينكر أنّ الأمور ليست بهذه البساطة، وبات المجتمع يواجه كميّة من المشاكل النفسية المرتبطة مباشرة بالسوشل ميديا، فبتنا نرى أشخاصاً مُحبطين بسبب الأرقام التي يحققونها على مواقع التواصل، وما يزيد مشاكلهم هي خصوصاً حسابات بعض هؤلاء الفاشلين الذين يريدون إقناع الناس بنجاحهم وتفوّقهم ببعض الأرقام الوهمية.

لكن يجب ألّا ننسى أنّ هناك كثيراً من الحسابات التي لا يتابعها الآلاف ولكن رأيها لا يقدّر بثمن، وهناك الذين يتابعهم الملايين ورأيهم مثل صوت الصيصان.