أهالي بعلبك الهرمل لا يريدون أن يساقون إلى صندوقة الاقتراع كما تساق الخراف إلى المذبح ويرفضون الاستسلام لسكين الجزار ويأبون على نفوسهم أن يكونوا لقمة سائغة بيد المكونات السياسية والحزبية
 

المتابع لقضايا وأمور منطقة بعلبك الهرمل ولهموم ومشاكل الناس فيها  لا يلزمه الكثير من الجهد والوقت ليكتشف خروج مسألة الإنتخابات النيابية التي تتم تقليديا عن طريق إيصال المرشحين بالبوسطة إلى الندوة البرلمانية عن دائرة اهتمامهم. وفي أحسن الحالات فإنها تأتي في آخر سلم الأولويات لديهم  والتبرير يأتي سريعا على ألسنة معظم المواطنين من ذوي الدخل المحدود والطبقات الكادحة والمقهورة والفقيرة بصيغة التساؤل السلبي المشفوع بالكثير من البساطة والوجدانية الشفافة والبراءة الصادقة. 
لماذا الإهتمام بهذه الإنتخابات وإضاعة الوقت والتعب ووجع الرأس طالما أنها تفتقد إلى الحدود الدنيا من ممارسة اللعبة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي؟ وإلى غياب شفافية في الإحتكام إلى صندوقة الاقتراع التي من المفترض أنها تشكل المفصل في تحديد النتائج للفائزين ومن خلالها يتم إيصال المرشحين المؤهلين إلى الندوة البرلمانية واستيلاد المجلس النيابي الجديد من رحم الشعب ومعاناته؟ وذلك بعد لجوء قوى الأمر الواقع إلى فرض هيمنتهم وسيطرتهم - وطوال عقود من الزمن - على المنطقة  وإصرارهم على مصادرة قراراتها من كافة النواحي السياسية والحياتية والاجتماعية والأمنية والمعيشة  وتحويل المنطقة بأكملها إلى مزرعة تحت قبضة الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل  وذلك التزاما بتوافق أهل السلطة على تقاسم المناطق انتخابيا وفق الإنتماء الطائفي والمذهبي؟ 

إقرأ أيضًا: التنافس النيابي على تقاسم السلطة

 

فأبناء منطقة بعلبك الهرمل التي يقال عنها بأنها خزان المقاومة  وهي التي احتضنت على امتداد مساحتها وبين أهلها الرعيل الأول المؤسس للمقاومة وقدمت خيرة رجالها دفاعا عن جزء من أرض الوطن عندما كان يرزح تحت نير الإحتلال الإسرائيلي والتي امتلأت قراها وشوارع وأحياء مدنها بصور الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وهم في عمر الورود ضد العدو الصهيوني الغاشم وضد العدوان الإرهابي المجرم. وكذلك فإن أبناء هذه المنطقة الذين كانوا ولايزالون الحاضنة الشعبية لحزب الله وحركة أمل ويتحملون وزر الانتماء لهما ونصرتهما  فإنهم اليوم وفي أجواء التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة لا يريدون أن يساقون إلى صندوقة الاقتراع كما تساق الخراف إلى المذبح  ويرفضون الاستسلام لسكين الجزار ويأبون على نفوسهم أن يكونوا لقمة سائغة بيد المكونات السياسية والحزبية التي تخوض الانتخابات على قاعدة التقاسم المناطقي بين أهل الحكم وخدمة لمصالحها وليس خدمة للناس.
 وبالتالي فإنهم لا يريدون الاستمرار في تخدير عقولهم وتعطيل أفكارهم ومصادرة قرارهم تحت شعارات المقاومة والتحرير والممانعة  وتحت عنوان الإلتزام بمسألة فقهية هي ولاية الفقيه  أو بذريعة أن الظروف لا تسمح بالاهتمام بهذه المنطقة من النواحي الإنمائية والعمرانية والإستثمار وتشجيع الصناعات والمشاريع الزراعية والإنتاجية والإقتصادية وحماية المستهلك من جشع التجار. وهي المنطقة المحرومة والتي تعاني من الفقر والإهمال والتخلف. 
فخيارات أبناء هذه المنطقة لم تعد هي عينها خيارات الذين تاجروا بلقمة عيشهم وبدماء فلذات أكبادهم  بل أن خياراتهم اليوم تبدأ وقبل أي شيء آخر باستعادة قرارهم المصادر وحقهم المسلوب لتقرير مصيرهم وصياغة مستقبل أبنائهم بأنفسهم. وذلك بفك الارتباط بكتلة نيابية فرضت عليهم بقوة الأمر الواقع واستغل أعضائها موقعهم النيابي لجمع الثروات الطائلة وتحقيق المكاسب والمنافع لهم ولأزلامهم والبيئة المحيطة بهم والاستئثار بالصفقات المشبوهة والالتزامات متجاهلين مشاكل المنطقة ومعاناة أبنائها.
 وعليه فإن الخيارات البديلة هي البحث عن أشخاص موضع ثقة ومن ذوي الخبرة والكفاءة بإدارة شؤون البلاد ومن أصحاب الأيادي البيضاء التي لم تتلوث بالمال الحرام ولم تتلطخ بدماء الأبرياء لانتخابهم والعمل جديا لإيصالهم إلى مجلس النواب على قاعدة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب .