يعتقد كثير من الفلسطينيين في قطاع غزة باقتراب «نهاية التاريخ» التي تنبأ بها الكاتب الأميركي فوكوياما قبل سنوات طويلة، فيما يعتقد آخرون أن القطاع الساحلي الصغير الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم موجود في «قاع» الكرة الأرضية مهملاً لا يعبأ بمصيره أحد. لكن غالبية الفلسطينيين في القطاع البالغ عدد سكانه مليوني إنسان، ترى أنه مهما علا صراخ القاطنين فيه ومهما قرعوا جدران خزّانهم، فما من أحد سيكترث لأوضاعهم.

عشرات الغزيين من أهالي شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014، البالغ عددهم أكثر من ألفين، اقتحموا قبل أيام قليلة مكتب رئيسة مؤسسة رعاية الأسر والشهداء في مدينة غزة انتصار الوزير، فيما قرع عشرات الفقراء «طناجرهم» الفارغة أمام مكتب برنامج الغذاء العالمي في المدينة، الذي أوقف تزويد نحو 100 ألف منهم بمساعدات غذائية.

في كل يوم تقريباً، يقرع الفقراء والمعوزون الغزيون «جدران الخزان» لتلافي خطر الموت اختناقاً، على غرار أولئك الفلسطينيين الأوائل الذين ماتوا في صهريج مياه فارغ تحت شمس الكويت اللاهبة في رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس».

وقال الناطق باسم لجنة أهالي الشهداء علاء البراوي إن الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله «يتجاهلون» معاناتهم.

ولم يفِ عدد من المنظمات الدولية بمتطلبات إبقاء عشرات آلاف الفقراء والمرضى والجرحى والمعوقين والأيتام على قيد الحياة، في وقت ارتفع عدد اللاجئين الذين يتلقون مساعدات غذائية من «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) إلى مليون و40 ألفاً من أصل 1.4 مليون لاجئ يعيشون في القطاع.

وإلى جانب هؤلاء، يتلقى أكثر من 400 ألف فلسطيني غير لاجئ في القطاع مساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية.

وأخيراً، سقط القطاع الخاص إلى الهاوية، إذ أعلن الناطق باسم الشرطة أنها احتجزت خلال العام الماضي 100 ألف غزي على خلفية «ذمم مالية»، أي عجزهم عن الإيفاء بمستحقات مالية.

وأشار خبراء اقتصاد إلى أن لدى البنوك حالياً 50 ألف شيك من دون رصيد، ما يهدد أصحابها بالحجز. ولفتوا إلى «مفارقة عجيبة» تكمن في أنه فيما قررت الولايات المتحدة تقليص مساعداتها المالية لـ «أونروا»، وواصلت السلطة فرض عقوبات قاسية على القطاع منذ أكثر من ثمانية أشهر، حذرت الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، ما يُنذر بانفجار.

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور ماهر الطبّاع لـ «الحياة» إنه بعد أكثر من عشر سنوات من الحصار الإسرائيلي الظالم والانقسام، «وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الكارثية في قطاع غزة إلى نقطة الصفر». وأضاف في تعقيبه على نداء استغاثة وجهه القطاع الخاص للرئيس عباس والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والأمم المتحدة والملوك والرؤساء العرب، والاتحاد الأوروبي وغيرهم، أن القطاع الخاص داخل غزة «اقترب من الانهيار الاقتصادي المحتوم».

وتساءل: «لمَ هذا الصمت المريب على وجع الناس ومعاناتهم من القريب والبعيد»، محذراً من أن «الانفجار قادم لا محالة، ولم يعد هناك مجال للصمت، فالاقتصاد يتهاوى، والعمال لا يجدون لقمة خبز، ولن يقبل أحد أن يعيش في غرفة الإنعاش».

وعن هذه الأوضاع، رسمت الغرفة التجارية الصناعية في غزة صورة سوداوية قاتمة، فيما يستعد القطاع الخاص لخوض إضراب شامل بعد غدٍ الإثنين احتجاجاً. وقالت الغرفة في تقرير أصدرته قبل يومين إن «معدلات البطالة ارتفعت إلى 46 في المئة، وإلى 67 في المئة في صفوف الخريجين الجامعيين، فيما بلغ عدد العاطلين من العمل ربع مليون، وتجاوزت معدلات الفقر 65 في المئة، وانعدام الأمن الغذائي لدى الأسر 50 في المئة».

وطالبت الغرفة عباس باستعادة الوحدة واللحمة الفلسطينية «لتجنيب قطاع غزة مزيداً من الانهيار، والمساهمة في حل الأزمات التي يعانيها القطاع، والتفرغ لمعركة القدس عاصمة فلسطين الأبدية». وأملت من السيسي «التدخل العاجل لفتح معبر رفح أمام الأفراد والبضائع في صورة دائمة، تخفيفاً لمعاناة شعبنا، طلاباً ومرضى وخريجين، واستمرار الاهتمام بملف المصالحة ودعمه».