نحن أمام عفريت تركي دخل المجال السوري من عفرين لا لتطويق مسلحين أكراد بل ليحجز له موقعاً ثابتاً في أي تسوية
 

بات الجيش التركي قاب قوسين أو أدنى من عفرين السورية بعد جملة تهديدات وتحذيرات تناوب عليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السوري وحكمًا روسيا و إيران الداعمتان للأسد الذي يكرر التهديد المعتاد والذي لا يستطيع تنفيذه لعجزه عن ذلك والذي يكتفي بالرد على العدو الاسرائيلي وعلى الدخول التركي بقصف بسطاء سورية و إنزال أشد العقوبات المحرمة دوليًا بشعبه من خلال البراميل المتفجرة وغيرها من أدوات القتل الجماعي.
لقد احتشد المتضررون من دور تركيا العملي في سورية لثني السلطان العثماني عن القيام بأعمال عسكرية داخل الأراضي السورية لأن في ذلك إضراراً بنفوذ الدول اللاعبة في الميدان السوري وهذا ما يعطي المعارضة السورية و"الجيش الحر" تحديداً نصيباً من النصر بعد سلسلة من الهزائم تقدم فيها النظام وجعلت من الشروط الروسية سيدة الموقف في المحادثات الفاشلة بحثاً عن نجاح مؤتمر أفشل تعقده روسيا بين النظام وبين صورة طبق الأصل عنه بعد توليد معارضة تتحدث من موسكو.
لأول مرة تنفذ تركيا مهمة عسكرية ببعدين مرتبط أحدهما بالأمن القومي التركي و الآخر متصل بالحسابات السورية في وضع المعارضة داخل مربعات قوّة لتحصين موقفها ودورها بعد أن استطاعت روسيا من جعل النظام ورقة قوية في الميدان والخارطة العسكرية.

إقرأ أيضًا: تونس وإخوان الخليفة
رغم أن تركيا تأخرت كثيراً في الدخول المباشر الى سورية ولو أنها فعلت ذلك آنذاك أي في المراحل الأولى للحرب السورية لكانت أنهت الوضع ووفرت على السوريين وعلى المتضررين من الحرب السورية الكثير الكثير من الخسائر ولكن التردد التركي اتجاه الحظر الأميركي جعل إيران وروسيا أسرع دولتين لسند النظام وهذا ما فتح شهية أميركا على إطالة عمر الحرب السورية بعد أن أصبحت ساحة تصفية حسابات إقليمية وأرض خصبة للحملات وللغزوات الجهادية لكل ملتح يبغي الوصول باكراً الى جنة المأوى.
يبدو أن التأخر لم يمنع تركيا من الاستفادة من دخول بري لسورية ضمن تأييد وترحيب روسي وإيراني باعتبار أن هناك تفاهمات بين هذه الدول على الحل السوري ولم تستطع روسيا وإيران من اعتبار الوجود التركي إخلال بالحل لذا ترك الروسي والإيراني النظام السوري يعبر عن حقيقة موقفهما من التقدم التركي والوغول أكثر في البر السوري وهنا تكمن استفادة تركيا من حليفتيها بعد أن قدمت لهما الكثير من الخدمات لصالح تقدمهما على حساب المعارضة في بعض المناطق أي أنها التقطت الفرصة المناسبة للدخول بقوة دون إنذار مسبق أو متأخر من حليفتيها لأن وجود تركي بقوّة في الميدان السوري يعني أن لها حصة في التسوية السورية وهذا ما يضر بمصالح الدولتين وبمصالح الأسد الذي يهاب تركيا كونها دولة معنية مباشرة في المستقبل السوري وفي تحديد ماهية وهوية النظام الجديد.

إقرأ أيضًا: العبادي مشروع شهيد
لا شك بأن تركيا ترفع شعار الخوف من الجماعة الكردية وتبدو حجة الأمن اللازم للحدود مبررة لكن الحقيقة تكمن في أن الشعار الكردي هو بمثابة قميص عثمان الذي يخفي خلفه مصالح كبيرة لتركيا ولا يمكن التفريط بها لصالح عودة النظام من جديد من بوابتي روسيا وإيران بعد مسرحية سوتشي التي ستمنح المعارضة المفبركة والتي تشبه النظام دوراً في الحكومة وتعتبرها شريكاً أساسياً في الصيغة السورية الجديدة وبذلك تكون تركيا قد قضت مع روسيا وإيران على المعارضة و ساهمت من حيث لا تدري في انتاج النظام نفسه.
هذا الدور الذي تريده روسيا وإيران من تركيا لا ينطلي على دولة كتركيا ذات بُعد إقليمي وهي تبحث كما الدولتين عن أدوار لتقوية مصالحها في المنطقة وهي إن رغبت في التعاطي معهما على إيجاد مخارج وحلول للحرب لكن على قاعدة حفظ المصالح التركية في سورية لا على قاعدة بيع حصتها في سورية لإيران وروسية.
من هنا نحن أمام عفريت تركي دخل المجال السوري من عفرين لا لتطويق مسلحين أكراد فحسب كانوا في مهب الإرهاب لولا تدخل الولايات المتحدة في عين عرب بعد معارك خسر فيها الأكراد خسائر كثيرة وكادت أن تنتهي بمسحهم عن الخارطة لولا التدخل الأميركي المباشر لصالح الأكراد بل ليحجز له موقعاً ثابتاً في أي تسوية قريبة كانت أو بعيدة المدى.