لم تفلح الإجراءات الأمنية المكثفة التي اتخذتها القوى الأمنية أخيراً لملاحقة عصابات سرقة السيارات (التي تنشط في كل المناطق اللبنانية، وبعضها في منطقة بعلبك – الهرمل)، من ردع هذه العصابات حيث لا تزال الأخيرة مستمرة في أعمالها هذه، علماً أن القوى الأمنية كانت نجحت في مطلع السنة الجارية بتوقيف عدد من رؤوس وأفراد تلك العصابات.  

عمليات" سرقة السيارات" أصبحت من أبرز القضايا التي يعاني منها المواطن اللبناني خصوصاً البعلبكي. فسرقة السيارات من الأخبار الأمنية اليومية التي يسمعها الأهالي. ولهذه الغاية التقت "النهار" أحد المواطنين ع.م المعروف بـ "الخفيف" الذي كان ينشط سابقاً في عمليات السرقة ومنها السيارات والدراجات النارية قبل أن تلقي القوى الأمنية القبض عليه ويسجن لثلاث سنوات متنقلا بين زنزانة واخرى ليعود إلى حياته الطبيعية اليوم. وكان كسب لقب "الخفيف" نظراً لخفة يده وسرعته في عمليات النشل وفتح السيارات المقفلة، طوال 4 سنوات قضاها في عمليات السرقة قبل أن يتم توقيفه لينال جزاء ما ارتكبت يداه.

يروي الخفيف عددا من قصصه مع عمليات السرقة والسلب ويبادر بالقول: "لا يظن أحد أن شخصا ما يسرق حباً بالسرقة، لكن الحاجة صعبة والجوع كافر. وحين لا تجد عملاً أو أي وسيلة عيش تضعف امام اغراءات ممكن أن يقدمها لك احد المقربين أو المعارف مستغلاً ظروفك المعيشية القاسية".

وعن اول عملية سرقة قام بها، قال انها كانت دراجة نارية حيث عمد إلى سرقتها وبيعها بمبلغ مئة دولار أميركي ظناً منه انها المرة الاولى والاخيرة، غير انها كانت البداية لعدد من العمليات الاخرى التي ارتكبها بالرغم من أن الخوف كان يلازمه مع كل عملية كان يقوم بها.

أساليب السرقة

يشرح "الخفيف" بعضا من اساليب السرقة وادواتها التي كان يستخدمها لتنفيذ عملياتهن ومن ابرزها مفتاح "جوكر" الذي يعمل على فتح عدد كبير من السيارات والدراجات النارية بسهولة تامة من دون الاضطرار إلى الكسر أو الخلع خصوصا السيارات غير الحديثة. إضافة إلى استخدامه مفاتيح خاصة كان يملكها تتجاوز فى بعض الأحيان 200 مفتاح. فيما السيارات الحديثة تحتاج إلى بطارية وكابلات لتعطيل جهاز الانذار فيها من خلال وضع الكابل الموصول على البطارية على اطار السيارة الامامي المقابل للسائق من جهة، وعلى هيكل السيارة من جهة اخرى لتعطيلها كهربائياً وتعطيل جهاز الانذار في معظم السيارات. فيصبح الجهاز بحكم الملغى.

كذلك هنالك السلك المعدني لفتح اقفال السيارات، وذلك باستخدام سلك معدنى رفيع غالبا ما يكون سلكاً نحاسياً (الذي يستخدم في عملية تلحيم الحديد وذلك لليونته وسهولة توجيهه واعطائه الشكل الملائم)، حيث يتم انزال ذلك السلك من إحدى نوافذ السيارة التى تكون غير مغلقة بشكل تام، ويتم رفع قفل السيارة الداخلي إلى الاعلى ومن ثم فتح الباب. وفى الغالب لا تنجح تلك الحيلة مع السيارات الحديثة.

كان يحرص " الخفيف" على اختيار دراجات نارية وسيارات من السهل فتح قفلها وسرقتها في شكل اسرع ليصار إلى بيعها. كما ان هناك طرقاً عدة لتصريف تلك السيارات المسروقة حيث يتم تفكيك غالبيتها وبيع قطع غيارها أو يتم اعادتها إلى صاحبها لقاء مبلغ مالي. وكان هذا من اختصاص رؤوس العصابات، والمستفيدين الأكبر من تلك المسروقات حيث يشترونها من السارق بمبلغ زهيد.

كما أن بعض تلك المسروقات كانت تهرب إلى خارج الاراضي اللبنانية وتحديدا إلى القرى والمناطق السورية الحدودية مع لبنان، عبر طرق تهريب حيث تباع بين مهربين مختصين من الجهتين اللبنانية والسورية ليتم إعادة طلاء السيارة أو تزوير الرقم التسلسلي، ما جعل الكثير من ضحايا سرقة السيارات يقطعون الأمل من استرجاعها.

ويعمد السارق على اخفاء الدراجة والسيارة المسروقة لأيام عدة قد تستغرق شهوراً قبل أن يتم التصرف بها. وفي أغلب الأحيان توضع ضمن كاراجات مغلقة بين الأماكن السكنية.

توقيت عمليات السرقة

عمليات السرقة غالباً ما تكون بعد منتصف الليل، ما بين الثانية والثالثة فجراً، وذلك الوقت هو الأكثر أمناً للسارق كون معظم الاهالي يكونون نائمين حيث يحتاج السارق احيانا إلى أقل من خمس دقائق ليكون كل شيء قد انتهى، إلى أن يكتشف صاحب السيارة أو الدراجة الأمر في الصباح.

وعن اختيار نوع المسروقات يؤكد "الخفيف" أنه غالباً ما يكون الاختيار وفق الطلب الذي يحدده من يقوم بشرائها وتصريفها، ليتم من بعدها البحث عن طلبه ومن مناطق بعيدة عن مكان سكن السارق، لتكون اكثر أماناً على الأخير وعدم العثور عليها، كما انه يجب أن يكون طريق العودة آمناً وخالياً من أي حواجز للقوى الأمنية، أو عدم وجود كاميرات للمراقبة لعدم كشف هوية السارق، ولذلك يعمد السارق إلى اعتمار قبعة في شكل دائم وثياب بيضاء اللون لما لها من دور في عدم عكس صورة واضحة على كاميرات التسجيل.

خجل وندامة

اليوم يخجل "الخفيف" مما قام به من سرقة، فهو اصبح بين الناس سارقاً وغير أمين، وعبّر عن ندمه بالقول: "بالرغم من اني اخذت عقابي لما فعلته يداي، لا يزال الناس ينظرون الي النظرة السيئة برغم توبتي. واكثر ما يخيفني أن يُنظر إلى ابني نظرة مماثلة في المستقبل".

ومن ناحية اخرى، اكد الخفيف أن القريبين منه ومعارفه باتوا واثقين من توبته، وتخطوا الأمر. واليوم يعمل مهنة شريفة تساعده في محو تلك الايام واطعام عائلته رزقاً حلالاً. فبعد خروجه من السجن اشترى صهريجاً يعمل عليه لنقل المياه وبيعها، كما يحرث الأراضي الزراعية مقابل مبلغ مالي، لكنه يحمل الدولة المسؤولية عما حصل له وعما يحصل اليوم. فالبطالة مستشرية في المنطقة وصعوبة لقمة العيش وعدم توافر فرص عمل هي السبب الرئيسي، ناهيك بآفة المخدرات التي لها دور كبير في دفع العديد من هؤلاء الشبان العاطلين عن العمل إلى الانحراف وقيامهم بعمليات السرقة، حيث يستغلون تجار المخدرات المدمنين من خلال دفعهم إلى السرقة لمقايضتهم المخدرات بالمسروقات.