هل أصبح الإعلام، بكل أدواته، إلى هذا الحدّ مزعجًا حتى بات حصرمة في عيون جميع الذين اعتادوا الإطاحة بالقوانين، في زمن أصبحت هذه القوانين مجرد وجهة نظر؟
 

يا جماعة الخير وغير الخير، وللعلم والخبر، الإعلام يقوم بدوره عندما يجد أن الذين لا يقومون بأدوارهم وأحيانًا كثيرة يتعدّون، من غير وجهة حق، على أدوار الآخرين، فيتدخّل حيث يجب أن يتدخّل ويسلّط الأضواء على قضايا يعتبرها خارج السياق الطبيعي ويلفت نظر المسؤولين، وهو الذي يعتبرونه السلطة الرابعة، أو السلطة الموازية للسلطات الثلاث، في تكامل للأدوار. فلا يحلّ مكانها ولا يقبل أن يأخذ أحد مكانه.

ولا ندّعي هنا أن الإعلام لا يرتكب بعض الأخطاء ولا يذهب بعيدًا في مقارباته، ولكن هذا الأمر لا يبرّر كل هذا الغضب الذي يُصبّ على رأسه، ولا يبرّر في كل مرة "يدّق الكوز بالجرّة" أن تقوم القيامة ولا تقعد، ويُحمّل الإعلام والإعلاميون معاصي الآخرين.

فالإعلام يا سادة لم يعتدِ يومًا على حق أحد ولم يكن طرفًا في أي نزاع بين المتخاصمين ولم يتوسل الإبتزاز ولم يمارس أي نوع من أنواع "الشنتاجات"، وإن فعل يُرذل من أهله أولًا ومن مجتمعه ثانيًا. أتركوا القضاء لحاله، وهو لديه ما يكفيه من الملفات لينظر فيها، وأمامه الكثير من الجرائم المحالة عليه. أتركوه يقوم بدوره.

فالإعلامي الذي يقوم بدوره ليس مجرمًا، وإن كانت مقاراته بعض الأحيان تتسم ببعض من الحدّة في المعالجة. ومردّ ذلك أنه يرى الخطأ ويجد نفسه عاجزًا أمامه، وهو بالتالي لا يملك سلاحًا سوى الكلمة للدفاع عن أبسط حقوق الناس التي لا تجد ملاذًا لتحصيل حقها سوى الإعلام فتلجأ إليه، فيكون صوت الناس غير المسموع ووجعهم.

ولأن الإعلامي لا يملك سلاحًا سوى الكلمة نرى الجميع "يتمرجلون" عليه، وتُهبّط عليه الحيطان وتكثر الدعاوى في حقّه، وهو في الأساس لم يرتكب إثمًا. والدليل أنه لم تُنَزل بأي إعلامي عقوبة السجن، باستثناء تجريم بعض الذين ثبت أنهم ذمّوا وأفتروا تعويضات مالية.

نصيحة للذين لا يعيرون للقانون أهمية ويطيحون به أن يطالبوا بإلغاء الإعلام. وهكذا يرتاحون ويصبح في إمكانهم أن يسرحوا ويمرحوا من دون رقيب أو حسيب. وهكذا يرتاحون من "جرثومة" إسمها إعلام. ويرتاحون أيضًا من هذه التي إسمها حرية، فتسود شريعة الغاب فيأكل الكبير الصغير، وتنتهك حقوق وحرمات المستضعفين. وعلى الدنيا السلام.

 

 

  • اندريه قصاص